الصفقات التكنولوجية العملاقة لم تعد حدثًا مفاجئًا على المستوى العالمي، وفي الوقت الذي يواجه العالم الكثير من التغيرات المتسارعة فإن الإندماجات والاستحواذات قد تكون نوعًا من التكيف مع التغيرات أو خطوات استباقية لمواجهة الصعوبات التي قد تواجه عمالقة التكنولوجيا في المستقبل القريب، وربما القريب جدًا.
إذن فإن الأنباء المترددة عن احتمالية استحواذ «كوالكوم» على «إنتل» والتي نُشرت للمرة الأولى في صحيفة وول ستريت جورنال -وعلى الرغم من كونها صفقة ستكون كبيرة حقًا إن تمت- فإن تلك التحركات تعد واحدة من طرق التكيف مع التغير العالمي.
لماذا تسعى «كوالكوم» للاستحواذ؟
«كوالكوم» واحدة من أكبر الشركات في مجال صناعة الرقائق الإلكترونية لاسيما في مجال الهواتف الذكية، وعلى الرغم من ذلك فإن الشركة لا تمتلك نفس المميزات التنافسية في سوق الحاسبات الشخصية ومن خلال الاستحواذ على «إنتل» ستضمن مساحة لم تكن لتحققها منفردة دون هذه الصفقة العملاقة.
القيمة المالية
القيمة المالية المسجلة حتى كتابة هذه السطور لعملاقة التكنولوجيا «إنتل» حوالي 93 مليار دولار ووفقًا للقيم الدفترية لأصول «كوالكوم» فإنها تمتلك أكثر من ضعف تلك القيمة، غير أن الأمر لا يتعلق فقط بالقيمة السوقية لـ«إنتل» حيث غالبًا ما تناقش صفقات الاستحواذ العديد من العوامل الأخرى التي قد تؤثر على التقييم، ومنها براءات الاختراع، وحجم الأصول، ومراكز البحث والتطوير، وعدد الموظفين، وفي هذه الحالة فإن عدد موظفي «إنتل» على أرض الواقع هو ضعف عدد موظفي «كوالكوم» حيث يبلغ 50 ألف لدى الأخيرة بينما يتخطى الـ100 ألف لدى «إنتل» وعلى الرغم من اعتمادها خطة تسريح لـ 15% من موظفيها مازالت «إنتل» تمتلك ضعف عدد موظفي «كوالكوم».
المنافسة والاحتكار
إتمام تلك النوعية من الصفقات يحتاج توافقًا كبيرًا مع العديد من القوانين على مستوى أسواق مختلفة ومتعددة وكون الشركتين تتواجدان بمقرات رئيسية في كل من الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي فإن تلك الأسواق لديها قوانين حازمة لمواجهة الاحتكار وحماية المنافسة، ومؤخرًا تعرضت مايكروسوفت للكثير من الغرامات بعد استحواذها على شركة الألعاب الإلكترونية الشهيرة اكتيفيجين.
ومن المحتمل أن تواجه هذه الصفقة تدقيقًا شديدًا من الجهات التنظيمية في الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، خاصة وأن كلا الشركتين هما لاعبين رئيسيين في سوق الرقائق الإلكترونية، ومن المتوقع أن تركز الجهات التنظيمية على تقييم تأثير الصفقة على المنافسة في سوق الرقائق، وعلى أسعار المنتجات النهائية التي تستخدم هذه الرقائق، مثل أجهزة الكمبيوتر والهواتف الذكية.
لماذا تأخرت «إنتل»؟
شهدت إنتل خلال السنوات الأخيرة سلسلة من التراجعات،حيث واجهت صعوبة في مواكبة التطورات التكنولوجية السريعة، خاصة في مجال تصنيع الرقائق المتقدمة، فقد تمكنت شركات منافسة مثل تي إس إم سي (TSMC) من تحقيق تقدم كبير في هذا المجال، مما سمح لشركات أخرى مثل AMD بتصنيع رقائق أكثر قوة وكفاءة فيما شهد سوق الرقائق زيادة كبيرة في المنافسة، ليس فقط من شركات مثل AMD و NVIDIA، ولكن أيضًا من شركات صينية ناشئة.
ومع التنامي في المشهد التتكنولوجية واكبت صناعة الحوسبة تغيرات جذرية، حيث تحولت من الاعتماد على أجهزة الكمبيوتر المكتبية إلى الأجهزة المحمولة وكان الاتجاه الأكبر نحو الرقائق المستخدمة في تقنيات إنترنت الأشياء، بينما لم تستطع إنتل التكيف مع هذه التغيرات بسرعة كافية، مما أثر على أعمالها، تسببت كل تلك العوامل في تراجع الحصة السوقية للشركة وتراجع أرباحها، لتبدأ في وضع استراتيجية جديدة تركز فيها على التصنيع للغير، والتوجه إلى التركيز على التقنيات الأحدث، إلى جانب اعتماد خطة متكاملة للتصنيع تعتمد على التوسع في المصانع في كل من الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي.
صفقات مشابهة
على مدار السنوات القليلة الماضية شهدت سوق الرقائق الإلكترونية العديد من الصفقات الشبيهة لاسيما مع النمو السريع في تقنيات تلك الوحدات وزيادة المتطلبات التي يضعها المصنعون على مصممي ومطوري ومصنعي الرقاقات ومن تلك الصفقات:
استحواذ NVIDIA على Arm: كانت هذه الصفقة واحدة من أكبر الصفقات في هذا المجال، حيث سعت NVIDIA من خلالها إلى الحصول على تصميمات معمارية أساسية للرقائق، مما عزز مكانتها في سوق الذكاء الاصطناعي وحوسبة الأداء العالي.
استحواذ AMD على Xilinx: يهدف هذا الاستحواذ إلى دمج قدرات AMD في معالجة البيانات المركزية مع قدرات Xilinx في مجال الحوسبة القابلة للبرمجة، مما يوفر حلولاً أكثر شمولية للعملاء.
استحواذ Qualcomm على NXP Semiconductors: ساعد هذا الاستحواذ Qualcomm على توسيع نطاق أعمالها في سوق السيارات المتصلة، حيث تمتلك NXP خبرة كبيرة في هذا المجال.
ماذا ينتظر السوق؟
في حالة إتمام تلك الصفقة فإن سوق الرقائق العالمية ستشهد تغيرات كبيرة، بداية من دمج تكنولوجيات شركتين عملاقتين قد ينتج عنها تركيزًا أكبر على مجالات أكثر تعقيدًا وأسرع نموًا إلى جانب ارتفاع حدة المنافسة مع الشركات الأخرى المصنعة للرقاقات نفسهاحول العالم.