
أعلن صندوق النقد الدولي أنه تم التوصل لاتفاق مع مصر على مستوى الخبراء بشأن المراجعتين الخامسة والسادسة في إطار اتفاق «تسهيل الصندوق الممدد» (EFF)، وكذلك المراجعة الأولى في إطار «تسهيل المرونة والاستدامة» (RSF).
وأصدر صندوق النقد الدولي بيانًا في ختام أعمال البعثة، أكد فيه أن جهود الاستقرار حققت مكاسب مهمة، حيث يُظهر الاقتصاد المصري مؤشرات على نمو قوي، وذلك في ظل بيئة إقليمية أمنية صعبة وارتفاع مستويات عدم اليقين عالميًا.
معدلات النمو
وأشار إلى ارتفاع معدل النمو الاقتصادي إلى 4.4% خلال العام المالي 2024/2025، مقارنة بـ2.4% في العام السابق. وجاء التعافي على نطاق واسع، مدعومًا بالأداء القوي لقطاعات الصناعات التحويلية غير البترولية، والنقل، والخدمات المالية، والسياحة. كما تسارع النشاط الاقتصادي بصورة أكبر خلال الربع الأول من العام المالي 2025/2026 ليسجل 5.3% على أساس سنوي.
وذكر بيان الصندوق أن ميزان المدفوعات شهد تحسنًا ملحوظًا، رغم التطورات الخارجية السلبية. وعلى وجه الخصوص، تراجع عجز الحساب الجاري، مدفوعًا باستمرار قوة تحويلات العاملين بالخارج وإيرادات السياحة، إلى جانب تحقيق الصادرات غير البترولية نموًا قويًا.
الأوضاع الخارجية
كما شهدت الأوضاع المالية الخارجية تحسنًا كبيرًا خلال عام 2025، حيث ارتفع رصيد استثمارات غير المقيمين في أدوات الدين بالعملة المحلية إلى نحو 30 مليار دولار، وبلغت احتياطيات النقد الأجنبي 56.9 مليار دولار.
الأداء المالي
وأكدت بعثة الصندوق أن الأداء المالي ظل قويًا، مع تحقيق فائض أولي بنسبة 3.5% من الناتج المحلي الإجمالي خلال العام المالي 2024/2025. ويأتي ذلك رغم الأداء القوي للإيرادات الضريبية، التي نمت بنسبة 36% خلال العام المالي 2024/2025، وبنسبة 35% خلال الفترة من يوليو إلى نوفمبر من العام المالي 2025/2026، وذلك في إطار إصلاحات استهدفت توسيع القاعدة الضريبية، وتعزيز الالتزام الطوعي، وتبسيط الإعفاءات.
ونوه بأن معدل الإيرادات الضريبية إلى الناتج المحلي الإجمالي يظل عند مستويات متواضعة مقارنة بالمعايير الدولية خلال العام المالي 2024/2025 (12.2% من الناتج المحلي الإجمالي)، ما يستدعي مواصلة الجهود لسد الفجوة وتحقيق مسار هبوطي مستدام لدين الموازنة العامة، مع الحفاظ على الإنفاق الاجتماعي الموجّه.
السياسة النقدية
وفيما يتعلق بالسياسات النقدية، ذكر بيان الصندوق أن البنك المركزي المصري حافظ لى اتباع سياسة نقدية مشددة بالقدر المناسب، مع تبني نهج حذر وتدريجي في تخفيف السياسة النقدية لدعم جهود خفض التضخم.
وطالب بضرورة استمرار هذا النهج الدقيق في إدارة دورة التيسير، في ضوء ما تشير إليه بيانات التضخم الشهرية من أن ضغوط خفض التضخم لم تترسخ بعد بشكل كامل. وقد ارتفع معدل التضخم العام في الحضر بشكل طفيف إلى 12.3% في نوفمبر على أساس سنوي، بعد أن بلغ أدنى مستوياته في 40 شهرًا خلال سبتمبر، وذلك نتيجة للسياسات المالية والنقدية المشددة، والقضاء على اختناقات العملة الأجنبية، وتلاشي آثار الانخفاض السابق في سعر الصرف.
الحفاظ على سلامة النظام المالي
ويتطلب الوجود الكبير للبنوك المملوكة للدولة في النظام المالي استمرار تطبيق ممارسات حوكمة قوية للحفاظ على السلامة المالية، وتعزيز آلية انتقال السياسة النقدية القائمة على السوق، وتشجيع المنافسة في القطاع المصرفي. وفي هذا الإطار، يلتزم البنك المركزي المصري باستكمال عمليات المراجعة التي يجريها طرف ثالث لضمان تطبيق أفضل الممارسات.
وجددت السلطات التزامها بالحفاظ على الانضباط المالي، وخفض احتياجات التمويل الإجمالية، ووضع دين الموازنة العامة على مسار نزولي مستدام. وفي هذا السياق، تستهدف تحقيق فائض أولي (يشمل صافي اقتناء الأصول المالية) بنسبة 4.8% من الناتج المحلي الإجمالي خلال العام المالي الجاري، و5% خلال العام المالي 2026/2027.
كما يُتوقع أن يوافق مجلس الوزراء في يناير 2026 على حزمة إصلاحات ضريبية داعمة للنمو، من شأنها زيادة الحصيلة الضريبية بنحو 1% من الناتج المحلي الإجمالي في العام المالي المقبل.
وعلى الرغم من أن الوضع المالي للهيئة المصرية العامة للبترول لا يزال يمثل مصدر مخاطر مالية، فإن الإجراءات الأخيرة أسهمت في تحسين أوضاعها، بما في ذلك الوصول إلى استرداد التكلفة للمنتجات الخاضعة لآلية التسعير التلقائي للوقود.
كما أكدت السلطات التزامها بزيادة المخصصات لبرنامج التحويلات النقدية المشروطة (تكافل وكرامة)، إلى جانب الاستثمار في رأس المال البشري وبرامج الحماية الاجتماعية الموجّهة الأخرى. ونظرًا لأهمية هذه البرامج، اقترحت البعثة النظر في زيادة المخصصات المالية الموجهة لها.
نموذج الاقتصاد المصري
وأوضح الصندوق أنه مع بدء تحقيق الاستقرار على مستوى الاقتصاد الكلي، يصبح من الضروري أن تنتقل مصر نحو نموذج اقتصادي أكثر استدامة، من خلال تسريع وتيرة الإصلاحات التي تتيح للقطاع الخاص المساحة والفرص اللازمة للازدهار.
وفي هذا الإطار، ناقش فريق الصندوق والسلطات المصرية أهداف السردية الوطنية للتنمية الاقتصادية، التي تعطي الأولوية لأجندة إصلاحية تستهدف تحويل نموذج النمو في مصر إلى اقتصاد أكثر تنافسية يقوده القطاع الخاص.
كما اتخذت السلطات خطوات لتحسين بيئة ممارسة الأعمال، لا سيما في مجالي تيسير التجارة وتبسيط الإجراءات الضريبية، حيث أقر ممثلو القطاع الخاص بالنتائج التي تحققت بالفعل. وخلال المرحلة المقبلة، يتعين تسريع الجهود الرامية إلى تقليص دور الدولة، بما يشمل تحقيق تقدم ملموس في برنامج الطروحات، وتعزيز تكافؤ الفرص، وتجنب إنشاء أو توسيع أنشطة الشركات المملوكة للدولة والهيئات الاقتصادية الأخرى.
تسريع وتيرة الإصلاحات
وتسير الإصلاحات المرتبطة بتسهيل المرونة والاستدامة (RSF) وفق المسار المخطط له، حيث نفذت السلطات بالفعل إجراءين رئيسيين يتعلقان بالتخفيف من آثار تغير المناخ (من خلال نشر جدول زمني يوضح خطة تنفيذ مستهدفات الطاقة المتجددة)، والتمويل المناخي (من خلال إصدار البنك المركزي المصري توجيهًا يلزم البنوك برصد والإبلاغ عن انكشافها على الشركات التي قد تواجه مخاطر انتقالية جوهرية نتيجة تطبيق آلية تعديل حدود الكربون). كما تحقق السلطات تقدمًا جيدًا في تنفيذ باقي إجراءات الإصلاح.




