المصرية للاتصالات Cairo ICT 2024
المصرية للاتصالات Cairo ICT 2024
إعلان إي فينانس

الحلقة المفرغة.. الفقاعة التي تهدد شركات الذكاء الاصطناعي الكبرى

تجاوز الاستثمار في الذكاء الاصطناعي حدود المبادرات الحكومية الكبرى مثل مشروع مانهاتن وبرنامج أبولو، متخطّيًا كذلك الأعمدة الأبرز في الطفرات التكنولوجية المدفوعة بالسوق خلال العقود الماضية.

وفي حين أنّ “جنون الدوت كوم” جذب في أواخر التسعينيات وبداية الألفية مليارات الدولارات إلى شركات الإنترنت الناشئة، واستقطب ازدهار العملات الرقمية في أواخر العقد الثاني وأوائل العقد الثالث من القرن الحالي موجة كبيرة من رأس المال المغامر، فإن كل ذلك يظل محدودًا مقارنة بموجة الإنفاق على الذكاء الاصطناعي، التي تركزت فيها استثمارات ضخمة في فترة زمنية قصيرة، حسبما تشير رويترز في تقرير مطوّل حول استثمارات الذكاء الاصطناعي.

ويعيد هذا التدفق الهائل للأموال تشكيل ملامح التكنولوجيا عالميًا، ويحوّل أنظار “وول ستريت” نحو مجموعة ضيقة من الشركات العملاقة؛ لكنه يثير في الوقت نفسه مخاطر تشكّل فقاعة مالية، ويطرح تساؤلات حول الصفقات التمويلية الدائرية التي تُبقي على تقييمات مرتفعة بصورة غير واقعية.

أما أوجه إنفاق هذه الأموال، فهي تتوزع بين تطوير البرمجيات — ومنها تحسين نماذج اللغة الكبيرة التي تشكّل الأساس لأي منظومة ذكاء اصطناعي — وبين إنشاء بنية تحتية مادية واسعة تشمل مراكز البيانات ومحطات الطاقة والرقاقات الإلكترونية.

ووفقًا لتقرير “مؤشر الذكاء الاصطناعي” الصادر عن جامعة ستانفورد، بلغ حجم الاستثمار الخاص العالمي في البنية التحتية للذكاء الاصطناعي 37 مليار دولار في عام 2024 وحده.

وخلال الفترة من 2021 إلى 2024، جرى إنشاء أكثر من 500 مركز بيانات ضخم، يصل حجم بعضها إلى مساحة عدة ملاعب كرة قدم أمريكية.

ورغم الفوائد الاقتصادية المحلية لهذا البناء، فقد تصاعدت المخاوف بشأن استهلاك هذه المراكز لمساحات واسعة من الأراضي وكميات ضخمة من المياه والطاقة.

وقدّر تقرير لشركة “ماكينزي” صدر في أبريل أن العالم سيحتاج إلى استثمارات تبلغ 5.2 تريليون دولار في مراكز البيانات بحلول عام 2030 لتلبية الطلب المتنامي على الذكاء الاصطناعي.

وتدفقت مليارات أخرى إلى قطاعات متنوعة، من الرعاية الصحية إلى السيارات ذاتية القيادة، مرورًا بالتكنولوجيا المالية والصناعة، مع سعي القطاعات المختلفة للاستفادة من الذكاء الاصطناعي التوليدي في تعزيز الإنتاجية.

ودخلت الشركات الكبرى مثل مايكروسوفت وألفابت، إلى جانب الشركات الناشئة، جميعها دخلت بقوة سباق الاستثمار؛ ففي الربع الأول من 2025، جمعت الشركات الناشئة في مجال الذكاء الاصطناعي أكثر من 70 مليار دولار على مستوى العالم، لتستحوذ على ما يقرب من 60% من إجمالي التمويل الاستثماري.

وقد دفع هذا التدفق تقييمات شركات الذكاء الاصطناعي إلى مستويات غير مسبوقة؛ فمنذ إطلاق “شات جي بي تي” قبل ثلاث سنوات، تضاعفت قيمة شركة إنفيديا أكثر من عشر مرات لتقترب من 4.5 تريليون دولار؛ أما “أوبن إيه آي”، فقد بلغ تقييمها 500 مليار دولار، لتصبح بذلك الشركة الخاصة الأعلى قيمة في العالم.

ويقول براين روتليدج، أستاذ التمويل في جامعة كارنيغي ميلون، إن هذا ليس أمرًا نادرًا مع التقنيات الوليدة؛ فأسعار الأسهم بطبيعتها تنظر إلى المستقبل، ولا تتطلب تدفقات نقدية إيجابية في الوقت الحالي كي تُقيّم الشركات على أنها ذات قيمة كبيرة.

غير أن بعض المحللين يرون أن الذكاء الاصطناعي ربما يكون فقاعة مالية، أو على الأقل يرون أن الوقت ما زال مبكرًا للحكم على مدى واقعية هذا الإنفاق؛ وفي المقابل، يؤكد المؤيدون أنه غيّر الاقتصاد بالفعل وسيواصل رفع الإنتاجية.

ومع اتساع السباق، أصبحت تكلفته عبئًا حتى على الشركات العملاقة نفسها؛ إذ يُتوقّع أن تنفق شركات “السبعة الكبار” — ألفابت وأمازون وآبل وميتا ومايكروسوفت وإنفيديا وتسلا — أكثر من 300 مليار دولار على الذكاء الاصطناعي خلال عام 2025.

وقد جعل هذا الإنفاق الضخم الشركات أكثر جاذبية للمستثمرين، ومع ارتفاع كلفة بناء أنظمة الذكاء الاصطناعي، ركّز المشترون في أسواق الأسهم على الشركات القادرة فعلًا على المنافسة، وقد تفوّقت أسهم الشركات السبع على باقي شركات مؤشر S&P 500 بنحو 15 نقطة مئوية منذ بداية عام 2025.

لكن ثمة قلقًا بين المستثمرين من “الطبيعة الدائرية” للتمويل بين بعض شركات التكنولوجيا، إذ تستثمر هذه الشركات أو تُقرض عملاءها لضمان استمرارهم في شراء منتجاتها، ما يخلق انطباعًا غير حقيقي بنمو الإيرادات.

وتوجد اليوم مجموعة صغيرة من الشركات في قلب دائرة مالية محكمة تُغذّي طفرة الذكاء الاصطناعي؛ فشركة إنفيديا وأوراكل وأوبن إيه آي تعتمد كل منها على الأخرى في الرقاقات والخدمات السحابية وبناء النماذج، بينما تتحرك الأموال بينها في مسار شبه مغلق، فـ”إنفيديا” تعهدت بتوفير ما يصل إلى 100 مليار دولار لتمويل أوبن إيه آي، مع أن الجزء الأكبر من هذا التمويل سيعود إليها مباشرة عندما تشتري أوبن إيه آي رقاقاتها.

أما أوراكل فقد تعاقدت مع أوبن إيه آي على توفير قدرات حوسبة بقيمة 300 مليار دولار على مدى خمس سنوات، ولتلبية هذه المتطلبات، تبني أوراكل مراكز بيانات جديدة ستُجهّز — بدورها — برقاقات “إنفيديا”.

ورغم أن الإيرادات والتقييمات وأسعار الأسهم تبدو صاعدة، فإن جزءًا كبيرًا من رأس المال يتحرك في دائرة مغلقة، حيث يعزز إنفاق كل شركة إيرادات الأخرى، ضمن حلقة تمويلية ذاتية.

وقد أثارت هذه الظاهرة شكوك المستثمرين، لأنها قد تُظهر نموًا يبدو عضويًا بينما هو في الواقع مدفوع بالمال نفسه الذي يدور داخل الحلقة.

وشهدت أسواق السندات بالفعل إشارات توتر؛ إذ تراجعت سندات أوراكل بعد أنباء عن نيتها إضافة 38 مليار دولار جديدة إلى ديونها، فوق أكثر من 100 مليار دولار من الديون القائمة، لتمويل البنية التحتية اللازمة للحفاظ على عملاء مثل أوبن إيه آي.

ويقول أندرو أودليزكو أستاذ الرياضيات المتخصص في دراسة الفقاعات المالية، إن هذه الصفقات الدائرية “إشارة تحذير” على نقص الإيرادات الحقيقية من عملاء مستقلين.

ورغم هذه المخاوف، فإن الاستثمار في الذكاء الاصطناعي يتجه لمعادلة — وربما تجاوز — ما شهده التاريخ من مشروعات ضخمة مثل القنوات البحرية والسكك الحديدية وشبكات الاتصالات؛ غير أن الفارق أن الذكاء الاصطناعي جذب رأس مال كثيفًا بمعدل أسرع من أي تقنية كبرى سابقة.

وفي النهاية، حتى لو أثبتت هذه التكنولوجيا استمراريتها، فإن المستثمرين المتعجلين قد يواجهون خسائر كبيرة رغم أن آخرين يحققون مكاسب ضخمة؛ وما زال الوقت مبكرًا لمعرفة الشكل الذي سينتهي إليه سباق الذكاء الاصطناعي، ومن سيخرج فيه رابحًا أو خاسرًا — فحتى الآن، لا يبدو أن للنهاية أثرًا في الأفق.

اترك تعليقا