«رحلة الميل الأخير» و«التوصيل عند الطلب» تبدأ بمليون مندوب وتضمن نجاح التجارة الإلكترونية في عصر التحول الرقمي

يمثل طرق الباب لتسليم المنتج في المرحلة الأخيرة من أي عملية بيع، النقطة الأصعب على كل القائمين خلف تلك العملية، بداية من البائع الذي قد يكون في الشارع المجاور أو على بعد قارات، مُرورًا بالمساهمين في عمليات التوصيل، والمشاركين في التغليف والتعبئة للتوصيل الأخر، وبعامل التوصيل عند باب المنزل، وأخيرًا بالعميل المستلم الذي دائمًا ما يتوقع الكثير.

 

ومع التطور التكنولوجي الهائل في الحصول على كافة المعلومات والخدمات، وظهور مفهوم «التجارة السريعة Q Commerce» تنامت تطلعات العملاء ومستخدمي التطبيقات المختلفة، وأصبحت أكثر تطلبًا وتحتاج لتلبيتها “حالًا” أو قد تتسبب في عزوف نهائي عن التعامل مع تلك التطبيقات.

 

ولطالما كانت «رحلة الميل الأخير» وخدمات «التوصيل عند الطلب» هي حجر الزاوية في نقل تجربة “جيدة” للعميل أو جعل حصول المستخدم على المنتجات المطلوبة “من أسوأ ما يكون”.

 

«رحلة الميل الأخير» هي تلك العملية الخاصة بتوصيل المنتجات من مستودعها النهائي أو من المتجر إلى المستخدم بعد طلبها، وتتشابه تلك العملية بشكل كبير في «التوصيل عند الطلب» وربما يقع الاختلاف بينهما في صاحب الطلب ما إذا كان شركة تطلب توصيل منتج للعميل كما في «الميل الأخير» أو طلب مباشر من العملاء لشراء منتج محدد من متجر أو توصيل طرد على سبيل المثال كما في  تطبيقات «التوصيل عند الطلب»، وفي الحالتين يقع جزء غير قليل من تقييم الخدمة على مستلم المنتج وهو في الحالتين المستخدم النهائي للتطبيق.

 

وتؤكد الإحصائيات العالمية أن رحلة «الميل الأخير» تستحوذ على نسبة 50-60% من تكلفة نقل المنتجات بداية من خروجها من المصنع أو المتجر الرئيسي، لما تحتاجه من تعقيدات تقنية ومتطلبات مختلفة من عميل لآخر.

 

وبنهاية عام 2021 سجلت عدد شركات توصيل الميل الأخير في مصر فقط حوالي 28 شركة وفي الإمارات العربية المتحدة 22 شركة وفي السعودية 16 شركة بينما في بقية الدول العربية مجتمعة بلغت 33 شركة، وفقًا لإحصائيات نشرتها «ومضة».

 

استمع للبودكاست من هنا:

تحديات بالجملة

 

في مصر تحديدًا والتي تسيطر على حوالي 30% من شركات التوصيل للميل الأخير والتوصيل عند الطلب الناشئة في المنطقة تمثل عدد من النقاط تحديات هائلة لتلك الشركات على رأسها عدم قدرة مندوبي التوصيل على الوصول للعناوين في دولة تفتقد بشكل كبير إلى رقم بريدي موحد للمناطق، وفي حالة وجوده لا يعتمد عليه الكثيرون، ناهيك عن عدم معرفته من الأساس.

 

ووفقًا لياسمين عبد الكريم الشريك المؤسس لتطبيق «يلا في السكة» في حوار سابق لها مع «تك كرانش» “يعتبر عدم وجود عناوين تفصيلية دقيقة في السوق المحلية واحدًا من أهم التحديات التي تواجه الشركات الناشئة العاملة في هذا المجال”.

 

حلول حكومية

يتزامن ذلك مع توجه الحكومة ممثلة في عدد من الوزارات مجتمعة هي الاتصالات والتنمية المحلية والعدل والإسكان والكهرباء والجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء تحت إشراف رئيس الوزراء، بهدف إنشاء رقم قومي لكل وحدة عقارية.

 

ووفقًا لوزارة الاتصالات فإن المشروع يعالج الأزمة المتمثلة في عوار البيانات وعدم دقتها بشأن العقارات، نظرًا لتكرار أسماء الشوارع وعدم وجود نمط موحد لترقيم الشقق داخل العمارات، بناء عقار بعدد شقق أكبر أو أقل في نفس موقع عقار تعرض للهدم، ومشروع الرقم القومي للعقار، يشبه الرقم القومي للمواطن، بأن يكون لكل وحدة عقارية رقم متفرد ولا يتكرر.

 

من جانبه قال محمد عفيفي، الرئيس التنفيذي والشريك المؤسس لشركة «منجز» الناشئة المتخصصة في التوصيل للميل الأخير في تصرريحات صحفية إن التحدي الأكبر في “رحلة الميل الأخير”، هو تكلفة العمالة المدربة بالإضافة إلى الصعوبات الفنية والزحام الكبير في مدن مثل القاهرة التي يصعب التنبؤ فيها بمواعيد توصيل دقيقة نظرًا لتكدس الطرق وصعوبة البنية التحتية في بعض المناطق.

حلول مصرية

 

يعمل مصطفى محمد كمندوب توصيل لثلاثة تطبيقات مختلفة بينها اثنين توصيل عند الطلب وآخر للميل الأخير، ويركز من خلال عمله على وضع جداول التسليمات للعملاء في المناطق المتجاورة في أوقات ثابتة وفق جدول هؤلاء المستخدمين، بينما يعتمد في الوصول إلى العناوين على مشاركة الموقع من خلال المحادثة على تطبيق «واتساب».

 

يقول محمد إنه نادرًا ما يعتمد على العناوين التي يزوده بها العملاء على التطبيقات، مؤكدًا على أن الاعتماد على مشاركة الموقع يجعل المهمة أسهل كثيرًا نظرًا إلى أن المصريين لا يعتمدون كثيرًا على أسماء الشوارع في تحديد المواقع.

 

يؤكد على، أنه من خلال تلك الوظيفة يوفر ما بين 500 – 1000 جنيه يوميًا من توصيل المنتجات والطرود والطلبات لاسيما من خلال عمله لأكثر من تطبيق في الوقت نفسه.

 

مليون مندوب

 

وفق خطة «مرسول» المتخصصة في توصيل الطلبات عند الطلب فإن الشركة تستهدف الوصول بمندوبي التوصيل إلى مليون مندوب خلال 5 أعوام، تلك الخطة تتماشى مع الخطط التوسعية للعديد من التطبيقات الأخرى التي تسعى للوصول بمندوبي التوصيل إلى عشرات ومئات الآلاف خلال السنوات الخمس المقبلة لتلبية الطلب المتزايد على خدماتها.

 

صناعة واعدة

 

ترتبط خدمات «الميل الأخير» و«التوصيل عند الطلب» بشكل وثيق بحركة التجارة الإلكترونية والنمو في الطلب على الانترنت، وهي الخدمات التي تشهد قفزات هائلة منذ تفشي جائحة «كوفيد-19» حيث بلغ حجم التجارة الإلكترونية في مصر خلال العام الماضي 2021 ما يقرب من 94  مليار جنيه (5 مليار دولار) وفق تصريحات إبراهيم عشماوي رئيس جهاز تنمية التجارة الداخلية بوزارة التموين والتجارة  الداخلية.

 

هذا إلى جانب المدفوعات الرقمية التي تجعل عملية التوصيل للميل الأخير والتوصيل عند الطلب أكثر سهولة، نظرًا لجدية المستخدم، ونيته الحصول على المنتجات بشكل مؤكد.

 

وأكد هشام صفوت، الرئيس التنفيذي لشركة «جوميا مصر»، على أن النسبة الغالبة من المستخدمين المقدمين على الدفع عند الاستلام لا يكونوا متأكدين بنسبة 100% من رغبتهم في المنتجات، على عكس مستخدمي الدفع الإلكتروني الذين يقومون بالدفع قبل الحصول على المنتج وبالتالي فإن ذلك يُقلل من تكلفة إعادة واسترجاع المنتجات المرتبطة بشكل كبير بالفع عند الاستلام.

 

وأكد تقرير صادر عن Research and Markets أن التوصيل للميل الأخير سيحقق نسبة نمو مُركب 18.3% خلال السنوات الستة المقبلة من 2022-2028 نظرًا للتنامي في استخدام التجارة الإلكترونية والتجارة السريعة.

قوانين واضحة

 

في منطقة الشرق الأوسط هناك بعض الدول التي مازالت تعمل على وضع استراتيجية وسن قوانين لتقنين شركات الميل الأخير ومنها المملكة العربية السعودية التي دعت مؤخرًا شركات الميل الأخير للتسجيل في نظام موحد في لجنة الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات للحصول على ترخيص لتقديم الخدمة، بينما دعت هيئة الطرق والنقل بالإمارات العربية المتحدة الشركات للتسجيل في منظومة مشابهة، ومن ناحية أخرى تقدم مصر ترخيص  لشركات الشحن وتوصيل الميل الأخير حيث تقوم بالتسجيل لدى الهيئة القومية للبريد وتقوم بدفع  رسوم ترخيص سنوي بنسبة 10% نظير تقديم الخدمة في السوق.

 

خاتمة

 

في الوقت الذي تركز فيه مصر على وضع استراتيجية للتنمية وتقوم في الأساس على التحول الرقمي فإن خدمات توصيل الميل الأخير والتوصيل عند الطلب تمثل موطئ القدم الأخير لتوفير خدمات أكثر فاعلية للمواطنين في العصر الرقمي، ولما كانت مصر تضم أكثر من 100 مليون مواطن أكثر من 70% منهم يستخدمون الإنترنت، ومعدل استخدام التواصل الاجتماعي حوالي 52% بينما نسبة انتشار التجارة الإلكترونية لا تتخطى الـ5% فإن الخدمات القائمة على تكنولوجيا المعلومات هي المرشح الأكبر للنمو خلال الفترة المقبلة.

 

اترك تعليقا