
يراهن نافين شودها المدير العام لشركة “مايفيلد” شركة رأس المال الاستثماري في وادي السيليكون والتي تأسست قبل 55 عاماً — على قدرة الذكاء الاصطناعي في إعادة تشكيل الصناعات الكثيفة العمالة مثل الاستشارات، المحاماة، والمحاسبة.
ويُعد شودها من المستثمرين المخضرمين الذين حققوا نجاحات بارزة في شركات مثل “ليفت” و”بوشمارك” و”هاشي كورب”، وقد تحدث مؤخراً خلال فعالية “StrictlyVC” التي نظمتها “تك كرانش” في مدينة مينلو بارك، حول رؤيته لمرحلة “زملاء العمل من الذكاء الاصطناعي” ودورهم في تحقيق هوامش ربح مماثلة لما تحققه شركات البرمجيات، في قطاعات تقليدية تهيمن عليها الأيدي العاملة.
ويرى شودها، حسبما نقل عنه موقع “TechCrunsh” أن شركات الذكاء الاصطناعي الناشئة قادرة على إعادة تصور قطاعات المحاماة، والاستشارات، والمحاسبة — التي تشكّل مجتمعة سوقًا بقيمة 5 تريليونات دولار — من خلال نماذج تشغيلية تتمتع بهوامش ربح عالية، تشبه إلى حد كبير شركات البرمجيات.
وأوضح أن “هناك محطات تاريخية مماثلة شهدت تحولات جذرية، مثل التحول من النماذج التجارية التقليدية إلى التجارة الإلكترونية في أواخر التسعينيات، ثم بروز مفهوم التعهيد الخارجي، وأخيرًا الاعتماد الكبير على الصين وتايوان في سلاسل التوريد والتصنيع”.
ويرى أيضًا، اليوم أن الذكاء الاصطناعي يمثل “قوة مضاعفة بمقدار 100 مرة”، وسيُعاد من خلاله تصور بيئة الأعمال بشكل شامل، عبر دمج الذكاء الاصطناعي مع الكفاءات البشرية بهدف تحسين الإنتاجية.
التقنية في الخدمة
وعن الكيفية التي سيحدث بها هذا التحول، ضرب شودها مثالًا قائلًا: “لنفترض أن هناك مشروعًا لتطبيق نظام Salesforce، من الذي يرغب فعليًا في تنفيذ هذا العمل التكراري؟ عادةً ما يأتي المسؤول عن الحسابات ويبدأ في تنفيذ سلسلة من المهام المتكررة، هنا يمكن الاستفادة من الذكاء الاصطناعي لأداء هذه المهام، بينما يظل الإنسان في الحلقة لأداء ما لا يستطيع الذكاء الاصطناعي تنفيذه”.
ويضيف: “هذا النموذج المختلط يسمح بتقليل الجهد البشري وزيادة الاعتماد على أدوات الذكاء الاصطناعي، بما يخفض التكاليف على العملاء الذين سيدفعون فقط عند استخدام التقنية”.
الفرص في الأسواق المهملة
يقول: “في الولايات المتحدة وحدها هناك 30 مليون شركة صغيرة، ومئة مليون شركة حول العالم، وهذه الشركات لا تستطيع تحمل كلفة الموظفين المحترفين، لكن يمكنها الاستفادة من خدمات تُقدم على شكل برامج ذكية”.
ويضيف: “تقول هذه الشركات: أحتاج إلى موظف استقبال، إلى منسق مواعيد، إلى من يبني موقعي الإلكتروني، يمكن للذكاء الاصطناعي أن يتولى هذه المهام، مع تدخل بشري محدود عند الحاجة، مثل التفاوض”.
الدفع مقابل النتيجة
يرى شودها أن نموذج العمل الجديد يجب أن يكون قائمًا على “الدفع مقابل النتائج” وليس “الدفع مقابل الوقت”، وهو النموذج المستخدم في خدمات السحابة والكهرباء.
ويشرح: “إذا استطاع الذكاء الاصطناعي تنفيذ 80% من العمل، فيمكن تحقيق هامش إجمالي بنسبة 80% إلى 90%؛ أما مساهمة البشر فستظل مربحة بهامش يتراوح بين 30% إلى 40%، ما يمنح الشركة في المجمل هامشًا مختلطًا يتراوح بين 60% و70%، وصافي ربح قد يصل إلى 30%”.
كشفت “مايفيلد” مؤخراً عن قيادتها جولة التمويل من الفئة A لشركة “Gruve”، وهي شركة ناشئة تعمل في مجال الاستشارات التقنية المدعومة بالذكاء الاصطناعي.
وبحسب شودها، فإن الشركة أظهرت في تجاربها الأولية مع العملاء قدرة حقيقية على تقديم قيمة باستخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي بشكل عملي، ما عزز قناعة “مايفيلد” بإمكانياتها المستقبلية.
وقال: “مؤسسو الشركة سبق لهم تأسيس شركتين في مجال الخدمات، نجحوا في بنائهما دون تمويل خارجي حتى وصلت كل منهما إلى إيرادات قدرها 500 مليون دولار، وأرباح تراوحت بين 50 إلى 100 مليون دولار”.
“أداة ذكاء اصطناعي” VS “زميل عمل افتراضي”
وخلال العام الماضي، خصصت مايفيلد 100 مليون دولار للاستثمار في ما تسميه “زملاء العمل بالذكاء الاصطناعي”.
وعند سؤاله عن الفرق بين هذا المفهوم وأدوات الذكاء الاصطناعي التقليدية، أوضح شودها أن هناك العديد من المصطلحات الرائجة مثل “المساعد”، “الوكيل الذكي”، و”الزميل”، لكن رؤية مايفيلد تتركز حول مفهوم الزميل الرقمي الذي يعمل بالتعاون مع الإنسان لتحقيق أهداف مشتركة.
ويضيف: “قد تكون هذه التقنية مبنية على نماذج وكلاء أو أدوات مساعدات، لكن جوهرها هو الشراكة مع الإنسان؛ فمثلًا زميل في الموارد البشرية، أو زميل في مبيعات الهندسة. الهدف ليس الاستبدال، بل التعاون”.
وبسؤاله عما إذا كانت مفاهيم مثل “الزملاء الافتراضيين” و”المساعدين الذكيين” قد تبدو قاسية في ظل فقدان وظائف حقيقية، ورد قائلاً: “نعم، علينا ألا نجمّل الواقع، يجب أن نواجهه مباشرة، نعم، ستحدث حالات فقدان وظائف، لكن البشر أذكياء؛ نحن من يقود الحصان، والذكاء الاصطناعي هو الحصان”.
ويؤكد أنَّ كل موجة تكنولوجية عبر التاريخ أثارت مخاوف مماثلة؛ فعندما ظهرت برامج مثل Microsoft Word، قيل إن مساعدي المدير التنفيذيين سيفقدون وظائفهم، وعندما ظهر Excel، قيل إن المحاسبين سيختفون، ومع ظهور أوبر وليفت، ظن الناس أن سائقي التاكسي سيُستبدلون؛ لكن الذي حدث فعلياً هو أن السوق توسعت”.
الاستثمار
يضيف: “القاعدة الأولى في الاستثمار هي أن يكون لديك نجمك القطبي الخاص، تحلَّ بالانضباط، ولا تقع في فخ الخوف من تفويت الفرصة، هذا الخوف مخصص لمن يسيرون في القطيع؛ وإذا تمسكت بهذين المبدأين — استراتيجيتك الخاصة وعدم الخوف — فإنك ستنجح”.
ويشدد شودها على ضرورة تذكير المستثمرين بحقيقة جوهرية قائلًا: “نحن، كصناديق رأس مال مغامر، نعمل في مجال إدارة الأموال، لسنا هنا لجمع الشعارات أو التفاخر بمحافظنا، مهمتنا هي أخذ مبالغ صغيرة من المال وتحقيق نمو حقيقي لها”.
ويختتم بالإشارة إلى طبيعة المرحلة الحالية في دورة السوق، قائلًا: “خلال هذا الجزء من الدورة، سيتم تحقيق الكثير من الأرباح، لكنني أعتقد أن 80% من المشاركين سيخسرون أموالهم؛ ببساطة لأنهم لا يعرفون ما الذي يفعلونه”.