
توافق هذه الفترة مرور خمس سنوات على الإعلان عن نموذج AlphaFold، الذي طورته شركة DeepMind المملوكة لجوجل، والذي يُنظر إليه اليوم باعتباره أحد أكثر إنجازات الذكاء الاصطناعي تأثيرًا في تاريخ العلوم الحديثة.
وتُوِّج هذا الإنجاز بحصول فريق تطويره على جائزة نوبل في الكيمياء العام الماضي، تقديرًا للدور المحوري الذي لعبه النموذج في فك ألغاز بنية البروتينات وتسريع وتيرة البحث البيولوجي.
وقبل الكشف عن AlphaFold في أواخر عام 2020، ارتبط اسم DeepMind على نطاق واسع بتطوير أنظمة ذكاء اصطناعي نجحت في التفوق على أبطال العالم في ألعاب استراتيجية معقدة.
وقررت الشركة قررت لاحقًا توجيه خبرتها نحو تحدٍ علمي أكثر عمقًا وتأثيرًا، يتمثل في حل معضلة طيّ البروتينات، التي تُعد من أكثر المشكلات استعصاءً في العلوم الطبيعية.
وأسفر هذا التوجه عن تطوير AlphaFold 2، القادر على التنبؤ بالبنية ثلاثية الأبعاد للبروتينات بدقة تقترب من المستوى الذري.
بلغت جهود DeepMind ذروتها بإنشاء قاعدة بيانات ضخمة تحتوي على أكثر من 200 مليون بنية بروتينية متوقعة، تغطي فعليًا جميع البروتينات المعروفة حتى الآن.
وتُستخدم هذه القاعدة من قِبل نحو 3.5 ملايين باحث في أكثر من 190 دولة حول العالم، كما حظيت الدراسة العلمية التي نشرتها مجلة Nature عام 2021 باهتمام استثنائي، حيث تجاوز عدد الاستشهادات بها 40 ألف مرة.
وفي العام الماضي، كشفت DeepMind عن الجيل الأحدث AlphaFold 3، الذي لم يقتصر على البروتينات فحسب، بل امتد ليشمل الحمض النووي DNA والحمض النووي الريبي RNA، إضافة إلى تطبيقات في تصميم الأدوية.
ويعكس هذا التطور طموحًا متزايدًا نحو استخدام الذكاء الاصطناعي في نمذجة التفاعلات البيولوجية المعقدة، ويمثل خطوة إضافية نحو مستقبل أكثر تكاملًا بين الذكاء الاصطناعي والعلوم الحيوية.
وفي حديثه لمجلة WIRED، أوضح بوشميت كوهلي، نائب رئيس الأبحاث في DeepMind والمسؤول عن فريق “الذكاء الاصطناعي من أجل العلوم”، أن انتقال الشركة من تحديات الألعاب إلى معالجة أسئلة علمية أساسية كان جزءًا من رؤيتها منذ البداية.
وأشار كوهلي إلى أن الألعاب مثّلت بيئة تجريبية مثالية لصقل التقنيات، لكن الغاية النهائية كانت دائمًا توظيف الذكاء الاصطناعي لتسريع الاكتشاف العلمي.
واعتبر أن مشكلة طيّ البروتينات تندرج ضمن ما وصفه بـ”مشكلات الجذور”، وهي القضايا التي يؤدي حلها إلى فتح آفاق بحثية واسعة في مجالات الطب والأحياء.
وبشأن المخاوف المتعلقة بما يُعرف بـ”هلوسة” نماذج الذكاء الاصطناعي، خاصة مع اعتماد AlphaFold 3 على نماذج الانتشار، شدد كوهلي على أن المنهجية الأساسية لم تتغير، إذ تقوم على المزج بين التوليد الإبداعي والاختبار الصارم.
وأوضح أن النظام يتضمن مؤشرات واضحة لمستوى الثقة، تُظهر الحالات التي تكون فيها التوقعات أقل دقة، لا سيما عند التعامل مع البروتينات غير المنتظمة بطبيعتها، مؤكدًا أن الموثوقية العلمية لـAlphaFold ترسخت بفضل اختباره المتكرر في المختبرات ونجاحه في التطبيقات العملية.
وضمن توجهات جديدة، تعمل DeepMind على تطوير نظام يُعرف باسم “العالِم المساعد بالذكاء الاصطناعي” (AI Co-Scientist)، والمبني على نموذج Gemini 2.0.
ويهدف هذا النظام إلى توليد الفرضيات العلمية ومناقشتها عبر مجموعة من الوكلاء الأذكياء الذين يتفاعلون فيما بينهم اعتمادًا على نماذج الذكاء الاصطناعي.
ويرى كوهلي أن هذا النهج لا يسعى إلى استبدال العلماء، بل إلى إعادة توزيع الأدوار، بحيث يتولى الذكاء الاصطناعي تسريع معالجة المشكلات المعقدة، بينما يظل البشر مسؤولين عن تحديد الأسئلة العلمية الجديرة بالبحث.
وضرب كوهلي مثالًا بتجربة أجراها باحثون في كلية إمبريال كوليدج بلندن، حيث استخدموا النظام لدراسة كيفية استيلاء بعض الفيروسات على البكتيريا، وهو ما أتاح مسارات بحثية جديدة لمواجهة مقاومة المضادات الحيوية.




