
ينتظر الكثير تعثر مشروع الميتافيرس، بحسب تقرير لـ”بلومبرج”، وإعلان فشل رهان مارك زوكربيرج الأكبر؛ خاصّة بعد تسريبات عن نية شركة “ميتا بلاتفورمز” خفض إنفاق قسم “مختبرات الواقع” المسؤول عن تطوير تقنيات الواقع الافتراضي والميتافيرس بنسبة قد تصل إلى 30%.
وسرعان ما فُسرت الخطوة على أنها تراجع استراتيجي عن حلم استمر سنوات؛ فمحللون ومعلقون رأوا فيها نهاية مرحلة، واعتبرها البعض اعترافًا غير مباشر بأن الرؤية لم تنجح.
وانعكس هذا التفاؤل على الأسواق، حيث قفز سهم “ميتا” بنحو 4% خلال أيام قليلة، وسط تقديرات بأن خفض النفقات قد يوفر ما بين 5 و6 مليارات دولار، تُستخدم جزئيًا لتعويض الإنفاق الضخم على البنية التحتية للذكاء الاصطناعي.
تقول “بلومبرج”: “غير أن القراءة الأعمق لما يجري داخل ميتا تشير إلى أن ما يحدث ليس انسحابًا من الميتافيرس، بل إعادة ترتيب للأولويات، وربما تغيير في اللغة المستخدمة لإقناع وول ستريت، دون المساس بالهدف النهائي”.
ومنذ عام 2021، أنفقت “ميتا” ما يقارب 71 مليار دولار على تطوير الميتافيرس، دون تحقيق اختراق تجاري حقيقي؛ فمبيعات سماعات “كويست”، التي تُعد البوابة الرئيسية للعالم الافتراضي، لم تتجاوز أقل من مليون وحدة في أحد أحدث الفصول، بينما تبدو منصة “هورايزون ورلدز” الافتراضية شبه مهجورة، ما جعلها مادة للسخرية في الإعلام التقني.
وتعكس التخفيضات الأخيرة، التي تأتي ضمن برنامج أوسع لضبط التكاليف، مراجعة تكتيكية فرضتها تطورات جديدة في السوق؛ ولا تعني التخلي عن الحلم.
وأول هذه التطورات كان دخول “آبل” المحدود إلى عالم الواقع المختلط؛ فعلى عكس التوقعات، لم يشكل جهاز “آبل” تهديدًا وجوديًا لمشروعات “ميتا”؛ ورغم تفوق “آبل” في التصميم وتجربة المستخدم، فإنها لم تقدم قفزة تقنية نوعية في مجال لم تكن “ميتا” قد سبقتها إليه بالفعل.
وتمثَّل التطور الثاني في النجاح غير المتوقع لنظارات «راي بان» الذكية التي طورتها “ميتا” بالتعاون مع “إيسيلور لوكسوتيكا”؛ فهذه النظارات، الأخف وزنًا والأقرب للاستخدام اليومي، لاقت قبولًا أوسع في السوق، ما دفع الشركة المصنعة إلى الاستعداد لشحن ما يصل إلى 10 ملايين وحدة سنويًا.
وأعطى هذا الأداء القوي “ميتا” إشارة واضحة: المستهلكون يفضلون الأجهزة القابلة للارتداء التي تشبه المنتجات التقليدية، حتى لو كانت قدراتها أقل في الوقت الحالي.
بناءً على ذلك، بات واضحًا أن استراتيجية “ميتا” تتحول من التركيز على سماعات رأس ضخمة ومكلفة، إلى أجهزة أصغر وأكثر اندماجًا في الحياة اليومية؛ لكن هذا التحول لا يلغي الهدف النهائي، بل يغير الطريق المؤدي إليه؛ فبدل البدء بأقصى درجات التعقيد ثم التصغير لاحقًا، يبدو أن زوكربيرج اقتنع بأن المسار العكسي هو الأكثر واقعية.
وفي هذا السياق، أسست “ميتا” مؤخرًا استوديو تصميم داخليًا جديدًا، يدمج الذكاء الاصطناعي في صميم تطوير الأجهزة، كما أعلنت الشركة استحواذها على شركة “ليمتليس” المتخصصة في تقنيات الذكاء الاصطناعي القابل للارتداء، والتي تطور جهازًا على شكل قلادة قادرة على تسجيل وتحليل المحادثات؛ إذ تؤكد هذه الخطوات أن الذكاء الاصطناعي بات الواجهة الجديدة التي تمر عبرها طموحات الميتافيرس.
ويوفّر التركيز المتزايد على الذكاء الاصطناعي لزوكربيرج غطاءً استراتيجيًا لمواصلة العمل على رؤيته طويلة الأمد، دون إثارة قلق المستثمرين؛ فالنظارات الذكية، كما يكرر منذ سنوات، تمثل نقطة التقاء طبيعية بين الذكاء الاصطناعي والميتافيرس، وهي الشكل النهائي للحوسبة الشخصية في نظره.
وترى “بلومبرج” أن الرهان على تخلي زوكربيرج عن الميتافيرس يبدو مبالغًا فيه؛ وصحيح أن المشروع مكلف، ومحرج أحيانًا، وغير محبوب في أوساط المستثمرين، لكنه يعكس قناعة شخصية عميقة لدى مؤسس “ميتا”.




