
مع تجدد التوتر بين إيران وإسرائيل إثر الحرب التي شنّتها الأخيرة ضد الجمهورية الإسلامية، عاد مضيق هرمز لتصدّر عناوين القلق العالمي.
ولم يكن يومًا مضيق هرمز، هذا الممر البحري الضيق الذين يفصل الخليج العربي عن بحر عُمان، مجرد معبر مائي، بل شريان يضخ نحو 5 الإمدادات النفطية العالمية، ويُمسك بإحدى أهم مفاتيح استقرار الأسواق.
وتمر أكثر من 20 مليون برميل للنفط يوميًا عبر المضيق، ما يعادل نحو 30% من الكميات المنقولة بحرًا عالميًا؛ بالإضافة إلى 20% من تجارة الغاز الطبيعي المسال.
وتعد اقتصادات الدول الكبرى في آسيا وعلى رأسها الصين والهند، أكثر الأطراف اعتمادًا عليه، وبالنسبة لدول الخليج مثل السعودية والإمارات والعراق؛ فلا بديل حقيقي عن هذا المسار لتصدير إنتاجها النفطي.
سؤال يبحث عن إجابة
ورغم اللهجة النارية التي استخدمتها إيران مرارًا خلال السنوات الماضية، تبقى احتمالات تنفيذ تهديد إغلاق المضيق ضئيلة وفق تقديرات أغلب الخبراء.
وبرر عدد من الخبراء ضآلة احتمالية تنفيذ التهديد باعتماد إيران نفسها على المضيق لتصدير نفطها، وأكثر من 75% من هذه الصادرات تذهب إلى الصين، التي لن تتسامح مع أي تهديد لاستقرار الإمدادات.
أمَّا السبب الآخر الذي اعتمد عليه الخبراء هو أنَّ هذه الخطوة إذا أقدمت عليها طهران فإنّها ستُقابل برد فعل عالمي صارم، وربما تمهد لتدخل عسكري ضد طهران تحت غطاء حماية أمن الطاقة العالمي.
وتشير التقارير إلى أنَّ السيطرة الكاملة على المضيق مستحيلة؛ فهو واسع ويخضع لمراقبة قوات بحرية دولية، في مقدمتها الأسطول الأمريكي الخامس.
لكن.. ماذا عن؟
لكن ماذا عن حدوث تعطيل جزئي أو كلي لمضيق هرمز، فإنَّ هناك خطوط أنابيب بديلة، لكنّها لا تكفي، مما يجعل المضيق هو أهم ممر بحري للنفط في العالم، مثل: خط أنابيب شرق-غرب السعودي “5 ملايين برميل يوميًا”، وخط الفجيرة في الإمارات “1.5 مليون برميل يوميًا”، وخط غوره-جاسك الإيراني “350 ألف برميل”.
وإجمالًا، لا تستطيع هذه البدائل تعويض أكثر من 15% من صادرات النفط التي تمر عبر هرمز، ما يعني أن الأسواق ستواجه صدمة حتمية في حال حدوث أي تعطيل فعلي.
اشتعال الأسعار
ومجرد التلويح بالخطر كان كافيًا لرفع أسعار النفط الأسبوع الماضي، حيث ارتفع خام برنت بنسبة 6.5%، وتجاوز 73 دولارًا للبرميل، بينما قفز خام غرب تكساس الوسيط 6.7%.
وفي حال تطوّر الأزمة، تحذر وكالة الطاقة الدولية من قفزة محتملة للأسعار نحو حاجز الـ100 دولار للبرميل.
وتعد آسيا من الأكثر هشاشة التي ستتأثر بارتفاع الأسعار، وإغلاق المضيق، إذ تعتمد الصين وحدها على المضيق في تأمين 60% من وارداتها النفطية، بينما ستشعر بالضغوط أوروبا خصوصًا في أسواق الغاز الخام.
وقد تكون إيران الخاسر الأكبر، فأي تصعيد قد يفقدها دعم شركاء مثل الصين ويجعلها هدفًا لتحالف دولي جديد.
ويظهر التاريخ أن طهران تتقن استخدام ورقة مضيق هرمز للتهديد أكثر من الفعل، لكن وسط التصعيد الحالي، تعود هذه الورقة إلى الطاولة بقوة، لتذكّر العالم بحقيقة غير قابلة للإنكار، أمن الطاقة العالمي هشّ، وأي شرارة في هذا الممر قد تعيد رسم خرائط السياسة والتحالفات في الشرق الأوسط وما بعده.