
يمتلك برامول دهاوان وتينا فاندرستيل أكثر من 50 عامًا من الخبرة في الأسواق الناشئة، ويكشف الاثنان عن أنَّ حجم الاتصالات والاستفسارات التي يتلقيانها حاليًا من المستثمرين الراغبين في الاستفادة من موجة الصعود في هذه الفئة من الأصول غير مسبوق، حسبما يشير تقرير لوكالة “بلومبرج”.
وأوضح دهاوان الذي يشغل منصب رئيس إدارة محافظ الأسواق الناشئة لدى شركة “باسيفيك إنفستمنت مانجمنت”، أن هذا التغيير استغرق وقتًا ليتكيف معه، إذ اعتاد على التواصل المباشر مع العملاء لعرض الفرص الاستثمارية في الدول النامية.
في المقابل، ترى فاندرستيل المسؤولة عن سندات الأسواق الناشئة في “جرانثام مايو فان أوتيرلو”، أن التحول الحالي جاء بمثابة تأكيد لما كانت تروّج له منذ بداية العام الماضي، حين وصفت الفرص المتاحة في السندات المحلية للدول النامية بأنها “نادرة الحدوث”.
وبحسب فاندرستيل؛ فإن ما كانت الأسواق تنتظره هو محفّز يعيد توجيه الانتباه نحو الأسس الاقتصادية لتلك الدول، وقد تحقق ذلك في أبريل من 2024 بعد إعلان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب عن إجراءات تجارية فجّرت توترات عالمية، وأثرت سلبًا في ثقة المستثمرين بالاقتصاد الأمريكي، ما أدى إلى تحوّل جزء من رؤوس الأموال بعيدًا عن الدولار نحو أسواق ناشئة.
ورغم أن قسمًا من تلك التدفقات اتجه إلى اقتصادات متقدمة، إلا أن عددًا كبيرًا من المستثمرين أعاد النظر في الأصول الناشئة، وهو ما انعكس في ارتفاع مؤشر “مورجان ستانلي كابيتال إنترناشونال” للأسهم الناشئة بنسبة 17% بالدولار، أي نحو ضعف مكاسب مؤشر “ستاندرد آند بورز 500”.
كما سجّل مؤشر العائدات بالعملات المحلية أفضل نصف أول سنوي له منذ عام 2009، بدعم من أداء السندات المحلية التي كانت “فاندرستيل” قد أكدت على جاذبيتها.
وأشارت فاندرستيل، إلى أن الاهتمام المتزايد من مستثمرين غير معتادين على هذه الفئة من الأصول يعكس تغيرًا واضحًا في المزاج العام.
ومع أن الجدل لا يزال قائمًا حول مدى تراجع هيمنة الدولار فعليًا، إلا أن حجم الأسئلة التي تتلقاها من أفراد غير متخصصين حول كيفية تقليل الاعتماد على الدولار يعكس اتجاهًا واضحًا نحو التنويع.
وشهدت الأسواق الناشئة في السنوات الماضية موجات صعود؛ لكنها لم تلبث أن تراجعت، ويرى خبراء أن الوضع الحالي قد يكون مختلفًا، مدفوعًا بتقييمات جذابة، وأساسيات اقتصادية قوية، وتحولات هيكلية في طريقة بناء المحافظ الاستثمارية العالمية.
وفي هذا السياق، بدأ مديرو أصول مثل مارك بريسكت من “مورنينجستار ويلث” بإعادة توزيع الاستثمارات من الأسواق الأمريكية إلى الأسواق الناشئة، في إشارة إلى ما يصفه ببدء تراجع هيمنة الدولار في المحافظ الاستثمارية.
تاريخيًا، ظهرت فئة الأصول الناشئة بعد أزمة الديون في عدد من الدول خلال تسعينيات القرن الماضي، وشهدت ذروتها خلال ارتفاع أسعار السلع في العقد الأول من الألفية، قبل أن تدخل في فترة طويلة من الأداء الضعيف امتدت لأكثر من 14 عامًا، تخللتها إغلاقات واسعة للصناديق، وتراجع الطروحات الأولية، ومخاوف من الاضطرابات السياسية في عدد من الدول مثل الصين وتركيا والبرازيل.
وبدأت المؤشرات على عودة اهتمام المستثمرين تتزايد؛ فصناديق الدين الموجهة للأسواق الناشئة شهدت تدفقات إيجابية متواصلة خلال الأشهر الثلاثة الأخيرة، وسجّلت بعض الصناديق مستويات دخول هي الأعلى منذ سنوات.
ويشير تحليل الانحراف المعياري، الذي أجرته “بلومبرج” إلى أن حجم هذه التحركات يتجاوز المعدلات التاريخية بشكل لافت، كما هو الحال في التدفقات إلى الأسهم التايوانية والسندات الكورية.
وتشهد الصناديق الكبرى التي تستثمر في الأسواق الناشئة نموًا في الأصول المدارة، والشركات المتخصصة مثل “مورجان ستانلي إنفستمنت مانجمنت” تلاحظ نموًا في الطلب من المؤسسات والأفراد على حد سواء.
وبحسب “جيه بي مورجان لإدارة الأصول”، فإن السندات المحلية أصبحت من بين الرهانات الأساسية لهذا العام.
ولا يقتصر الزخم على أدوات الدين، بل يشمل أيضًا العملات والأسهم، حيث سجّلت معظم عملات الأسواق الناشئة مكاسب أمام الدولار، بينما حققت الأسهم مكاسب ملحوظة في عدة مناطق من العالم، من أوروبا الشرقية إلى أمريكا اللاتينية وآسيا.
وفي ظل تراجع الدولار، سجلت السندات المقوّمة بالعملات المحلية أداء يفوق نظيرتها بالدولار، وهو ما يعكس تحولًا أعمق في النظرة الاستثمارية، بحسب دهاوان، الذي يرى أن مرحلة “لا بديل عن الأصول الأمريكية” قد بدأت تتغير لصالح نهج أكثر تنويعًا على المستوى العالمي.