أفلام «هوليوود» التي تتحدث عن الانتقال عبر الزمن غالبًا ما تركز على زاوية محددة وهي أن التكنولوجيا في المستقبل من شأنها أن تسيطر على العالم بشكل كامل، ذلك المشهد المكرر لبطل يقف أمام شاشة عملاقة يتحكم فيها عبر اللمس لينفذ مهام كانت في الماضي قد تحتاج أيامًا لتنفيذها.
هل يمكن اعتبار أننا جميعًا قد ركبنا آلة عملاقة للسفر عبر الزمن نقلتنا إلى عصر أكثر تطورًا بعد أزمة انتشار وباء من أكثر الأوبئة فتكًا عبر التاريخ؟
الإجابة بالأرقام قد تؤكد أننا بالفعل انتقلنا أو بالأحرى هناك قوة غامضة دفعت بالعالم دفعًا للأمام لتختصر في عمر الاقتصاد الرقمي سنوات.
الاقتصاد الرقمي الذي يعتمد بشكل شبه كامل على تكنولوجيا المعلومات كان أحد أهداف التنمية التي تضمنتها رؤى العديد من الدول الكبرى، غير أن تلك المحنة التي أثرت على العالم أجمع سرعت بصورة غير مسبوقة وتيرة تبني الرؤى التكنولوجية في الحياة اليومية وخصوصًا في الممارسات الاقتصادية من قبل كافة الدول، فأصبحنا بين ليلة وضحاها نعيش يوميًا معنى الاقتصاد الرقمي بداية من الخدمات الحكومية، و حتى الممارسات اليومية للمواطن العالمي، بين بيع وشراء وتسوق وتعلم وحتى الحصول على الخدمات الصحية، ليمسي العالم معتمدًا على الانترنت بشكل أساسي كضمانة لاستمرار الحياة.
في مصر لم يختلف الوضع كثيرًا على العكس، استخدام الأدوات الرقمية محليًا شهد قفزة غير مسبوقة ساهمت في تحول عدد غير قليل من الأنشطة التقليدية للمنصات الرقمية سواءً للوصول لمستخدميها دون تأثر بالجائحة أو حتى لتوسعة قاعدة مستخدميها بالتزامن مع انتقال عدد غير بقليل من المستخدمين لتلك المنصات.
«تقرير»: 57.3% نسبة انتشار الإنترنت في مصر خلال 2020
وفق إحصائيات صادرة عن «we are social» و«Hotsuite» بلغ متوسط عدد الساعات التي يقضيها المستخدم المصري يوميًا عبى شبكة الإنترنت خلال 2020 حوالي 7.36 ساعة مقارنة بمتوسط عالمي يصل لـ 6.54، وبمعدل انتشار لاشتراكات شبكة النطاق العريض حوالي 57.3% من السكان مقارنة بنسب انتشار عالمية 59.5%، إذن هذا المستخدم الذي يقضي ساعات أعلى من المتوسط العالمي بنسبة انتشار تتقارب من المستويات العالمية يمثل فرصة هائلة للنمو الاقتصادي وتلك الأرقام تمثل أرضية حقيقية للتوسع في الخدمات المقدمة على الانترنت.
ويعرض الإنفو جراف التالي بعض الأرقام الخاصة باستخدامات المصريين للإنترنت مقارنة بالنسب العالمية.
«دي كود»: 40 مليار جنيه حجم التجارة الإلكترونية بالتزامن مع انتشار الجائحة و33% معدل نمو متوقع للعامين المقبلين
وهو ما أكده محمد عبد العزيز يوسف، رئيس مجلس الإدارة والرئيس التنفيذي لشركة «دي كود» حيث يشير إلى أن حجم التجارة الإلكترونية في مصر سجل خلال عام 2020 أو «عام الجائحة» سجل حوالي 40 مليار جنيه، فيما زادت ارتفعت الاستثمارات بقطاع الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات بنسبة 189% بين عام 2014-2015 و عام 2019-2020 بما يوضح أن قطاع التكنولوجيا واحدًا من أبرز القطاعات نموًا وجذبًا للاستثمار على المستوى المحلي.
أشار عبد العزيز يوسف، إلى أن جائحة «كوفيد-19» دفعت بالمواطنين في مصر على الخصوص بالاعتماد على الأدوات الرقمية في عدد هائل من الاستخدامات اليومية، مثل استخدام الانترنت في تجارة التجزئة والتسوق عبر الانترنت، وكذلك في الخدمات الحكومية المتعلقة بدفع الضريبة وتحصيل الجمارك، وإطلاق صناديق متخصصة للاستثمار في التكنولوجيا المالية.
استطرد “استخدامات تكنولوجيا المعلومات لم تعد فقط مقتصرة على الخدمات القديمة وإنما امتدت للتعلم عن بُعد، والحصول على الخدمات العقارية كالتسويق العقاري وتسجيل الوحدات عبر الانترنت، وحتى حجز تذاكر المتاحف وإجراء جولات وزيارات افتراضية في القطاع السياحي عبر الانترنت”.
نوه يوسف، بأن تلك التحولات انعكست على استخدام أدوات الدفع غير النقدية وهو ما يعزز دورة النقود داخل القنوات الرسمية حيث سيطرت المدفوعات الرقمية على 40% من الدفع مقابل التجارة الإلكترونية خلال 2020، متوقعًا أن تسجل التجارة الإلكترونية معدل نمو حوالي 33% على أساس سنوي حتى عام 2022 وبذلك تتمكن الدولة مع ارتفاع الإقبال على القنوات الإلكترونية من تحقيق الشمول المالي.
«تكنولدج بودكاست» يعرض تغطية خاصة للحلقة النقاشية لـ«جودادي»
الشركات الناشئة والصغيرة أكبر المستفيدين
أظهرت دراسة أجرتها شركة «فيزا» أن عام 2020 والذي شهد أكبر انتشار لوباء «كورونا» شهد في الوقت نفسه 20% زيادة في عدد المستهلكين مستخدمين المدفوعات عبر الانترنت، و44% زيادة في مستخدمي QR Code، بالإضافة إلى 78% ارتفاعًا في استخدام بطاقات وأدوات الدفع اللاتلامسي.
«جودادي»: 84% من رواد الأعمال المصريين يعتقدون أن شركاتهم يمكنها الصمود خلال الجائحة
تلك الأرقام تؤكد في الأساس على أن الشركات الناشئة والصغيرة والمتوسطة التي تبيع منتجاتها على الانترنت من شأنها أن تحقق نسب مبيعات مرتفعة خلال الوقت اللاحق، حيث أظهرت دراسة أخرى لشركة «فيسبوك» أن 25% من مبيعات الـSMEs تمت عبر الانترنت، و79% من تلك الشركات شاركت في أنشطة محققة للربح على منصة التواصل الاجتماعي، و16% من تلك الشركات أكدت ارتفاع مبيعاتها عبر الانترنت بالفترة السابقة على انتشار «كورونا».
فيديو يوضح أبرز التغيرات لاستخدامات الإنترنت بعد الجائحة
قالت سيلينا بيبر، المدير التنفيذي لشركة «جو دادي» في الشرق الأوسط شركتها أجرت استطلاعًا لرواد الأعمال المصريين حول تواجدهم على الانترنت والذي كشف عن أن 27% من الشركات الناشئة لديها تواجد على السوشيال ميديا، موضحة أن 24% من رواد الأعمال لديهم موقع على الانترنت عالميًا في حين تبلغ النسبة في مصر حوالي 25%.
وأوضحت أن الاستطلاع كشف عن أن 66% من رواد الأعمال المصريين يعتقدون أن مصر مناخ جيد للشركات المتوسطة والصغيرة، في حين يرى 84% من رواد الأعمال المصريين أن شركاتهم يمكنها الصمود خلال جائحة «كوفيد 19».
وأضافت بيبر، أن 30% منهم أرجعوا ذلك إلى أن وجود موقعاً إلكترونيًا يمثل نوع من الاحترافية و 29% منهم أشاروا إلى أن وجود موقعًا إلكترونياً يساعد على الوصول للعملاء بشكل أفضل.
ومن ناحية أخرى أشارت إلى أن 60% ممن ليس لديهم موقعًا على الانترنت يخططون لإطلاق موقع خلال وقت قريب وأشار 51% منهم أنهم لا يمتلكون موقعًا إلكترونيًا لقلة الخبرة التقنية لذلك.
وأظهر الاستطلاع أن 71% من رواد الأعمال يركزون على تدشين موقع إلكتروني للوصول للعملاء، و48% منهم يركزون على عودة العميل مرة أخرى، و23% يهتم بوجود موقع لبيع المنتجات، و5% لتسويق العلامة التجارية.
كل تلك التحولات في الاعتماد على الأدوات الرقمية كانت ستأتي بشكل أو بآخر مع مرور الزمن غير أن جائحة «كوفيد-19» مثلت دفعة قوية للأمام لكافة الجهات المستخدمة للأدوات التقنية وعلى رأسها الشركات الناشئة.