
كشفت صحيفة “الجارديان” البريطانية، بالتعاون مع منصتَي “+972Magazine”، و Local Call، عن وثائق جديدة تزيح الستار عن تفاصيل غير معلنة في صفقة الحوسبة السحابية بين شركتَي جوجل وأمازون والحكومة الإسرائيلية، المعروفة باسم مشروع “نيمبوس Project Nimbus”.
وأوضحت الوثائق المسربة أن الشركتين وقعتا على بنود وصفت بأنها “استثنائية وسرّية”، تتضمن ما يُعرف بـ”آلية الغمز Winking Mechanism” وهي نظام مشفر يتيح لإسرائيل تلقي إشعارات خفية في حال نقل بياناتها إلى جهات أجنبية.
“آلية الغمز”
وفقًا للتسريبات، تتيح هذه الآلية للحكومة الإسرائيلية تلقي إشارات مالية رمزية من جوجل وأمازون كتنبيه غير مباشر عند تسليم بيانات تخص إسرائيل إلى سلطات خارجية.
ويتم تنفيذ ذلك من خلال تحويل مبالغ مالية تحمل دلالات رقمية مرتبطة برمز الاتصال الدولي للدولة الطالبة للبيانات، مثل إرسال ألف شيكل في حالة الولايات المتحدة “رمز +1″، أو 3900 شيكل إذا كانت الجهة إيطالية “رمز +39”.
وفي حال تعذر الإفصاح عن هوية الجهة الطالبة، تُحوَّل دفعة بقيمة 100 ألف شيكل، أي ما يعادل نحو 30 ألف دولار.
وتُلزم بنود الاتفاق الشركتين بإرسال هذا الإشعار خلال 24 ساعة من تنفيذ الطلب، وهو ما اعتبره خبراء قانونيون أمريكيون “تحايلًا قانونيًا” يلتف على القوانين دون خرقها مباشرة.
دوافع إسرائيل
وتشير الوثائق إلى أن الحكومة الإسرائيلية أصرت على هذه الشروط بدافع القلق من فقدان السيطرة على بياناتها إذا خُزنت في مراكز بيانات أجنبية.
وسعت إسرائيل لضمان استمرار الخدمات السحابية دون انقطاع حتى في حال تعرضت لضغوط سياسية أو احتجاجات داخلية في تلك الشركات، نتيجة انتقادات تتعلق باستخدام التكنولوجيا في الأراضي الفلسطينية أو في عمليات عسكرية مثيرة للجدل.
ومن ضمن البنود، وافقت الشركتان على عدم تقييد استخدام إسرائيل لخدماتهما أو وقفها لأي سبب، حتى لو خالفت أنشطة الحكومة الإسرائيلية شروط الاستخدام العامة.
كما منعت العقود اتخاذ أي إجراءات أحادية ضد إسرائيل، ما يمنحها امتيازات غير مسبوقة مقارنة بأي عميل حكومي آخر.
وتوضح مذكرات صادرة عن وزارة المالية الإسرائيلية أن الصفقة عُدّت “نجاحًا تفاوضيًا”، مشيرة إلى أن جوجل وأمازون أبدتا “تفهمًا كاملًا” لحساسية المتطلبات الإسرائيلية.
مشروع “نيمبوس”
وأُطلق مشروع “نيمبوس” في عام 2021 بهدف نقل البنية الرقمية للحكومة الإسرائيلية والجيش إلى بيئة سحابية تجارية محلية، وتبلغ قيمة العقد نحو 1.2 مليار دولار، ويمتد لمدة 7 سنوات قابلة للتجديد.
وكانت شركة “مايكروسوفت” قد خسرت المنافسة بعد رفضها الالتزام ببعض البنود التي قبلتها جوجل وأمازون.
ويتيح المشروع لإسرائيل تخزين أنواع متعددة من البيانات، بما في ذلك المعلومات العسكرية والاستخباراتية، داخل الأراضي الإسرائيلية دون قيود على نوعية البيانات أو طبيعة استخدامها.
حرب غزة
ومع اندلاع الحرب الإسرائيلية على غزة، والتي وصفتها الأمم المتحدة بأنها “إبادة جماعية”، اعتمد الجيش الإسرائيلي على البنية السحابية التي توفرها تلك الشركات في تحليل البيانات الاستخباراتية وإدارة العمليات العسكرية.
وتشير تقارير استخباراتية إلى أن إسرائيل تخطط لنقل بعض البيانات الحساسة من خوادم مايكروسوفت إلى مراكز بيانات تابعة لأمازون داخل إسرائيل.
أمّا أمازون، فامتنعت عن التعليق على طبيعة هذه البيانات، مكتفية بالقول إنها “تحافظ على خصوصية عملائها”.
ونفت جوجل تمامًا الاتهامات بالتحايل على القوانين الدولية، مؤكدة أنها تلتزم بالمعايير القانونية في التعامل مع بيانات العملاء؛ أمّا أمازون فأكدت أن لديها آليات صارمة للتعامل مع الطلبات القانونية الخاصة بالبيانات، وأنها لا تستخدم أي نظام يهدف إلى الالتفاف على السرية المفروضة قانونًا.
وفي المقابل، أكدت وزارة المالية الإسرائيلية أن التقارير المنشورة “مضللة”، موضحة أن الاتفاقيات تحمي “مصالح إسرائيل الحيوية” ضمن التزامات تعاقدية واضحة.
وأعاد التقرير فتح النقاش حول الدور الأخلاقي لشركات التكنولوجيا الكبرى في النزاعات العسكرية؛ فبينما لم تُوجه أي جهة قانونية أو أممية اتهامًا رسميًا لجوجل أو أمازون بالمشاركة في جرائم الحرب، إلا أن منظمات حقوقية وخبراء في القانون الدولي يرون أن استمرار تقديم خدمات تُستخدم في عمليات عسكرية قد يرقى إلى “تواطؤ غير مباشر”.
وفي حال ثبوت علم الشركتين باستخدام تقنياتهما في عمليات تستهدف المدنيين، فقد تواجهان مساءلات مستقبلية.
ومنذ بداية الحرب، تصاعدت الاحتجاجات داخل شركات التكنولوجيا الكبرى رفضًا للعقود الموقعة مع إسرائيل؛ فمثلًا حملة “لا تقنية للفصل العنصري” قادت تحركات موظفين في جوجل وأمازون للمطالبة بإنهاء مشروع “نيمبوس”.
وفي جوجل، تم فصل 28 موظفًا بعد اعتصام داخل المقر الرئيسي، بينما أوقفت أمازون مهندس برمجيات فلسطينيًا بعد انتقاده العلني لعقد الشركة مع الحكومة الإسرائيلية.
وفي “مايكروسوفت”، نظم موظفون احتجاجات مماثلة مطالبين بوقف التعاون العسكري مع إسرائيل، ما دفع الشركة لمراجعة تعاملها مع بعض الخدمات المقدمة للجيش الإسرائيلي.
مقارنة وسوابق
ولا يعد تاريخ التعاون بين شركات التقنية والجهات العسكرية بأمر جديد، فقد شاركت جوجل في مشروع “Maven” التابع للبنتاجون عام 2017 قبل انسحابها لاحقًا تحت ضغط الموظفين.
لكن صفقة “نيمبوس” تختلف في حجمها وطبيعتها، إذ تشمل تقديم خدمات سحابية متكاملة للحكومة الإسرائيلية في ظل حرب مستمرة تُتهم فيها إسرائيل بارتكاب جرائم ضد المدنيين.
ويعد هذا المستوى من التعاون التقني مع طرف عسكري فاعل في نزاع قائم، سابقة في تاريخ صناعة التكنولوجيا العالمية.




