
أزمة إنتل وتدخل واشنطن المحتمل: هل يفتح الاستثمار الحكومي المباشر صفحة جديدة لصناعة الرقاقات الأمريكية؟
كشفت وكالة بلومبرغ عن مفاوضات أولية بين الحكومة الأمريكية وشركة إنتل، لبحث إمكانية استحواذ الدولة على حصة مباشرة في الشركة المتعثرة ماليًا، في خطوة غير مسبوقة بتاريخ عملاق صناعة أشباه الموصلات منذ تأسيسه عام 1968. ورغم عدم التوصل لاتفاق نهائي بعد، فإن مجرد طرح الفكرة يعكس حجم القلق الاستراتيجي بشأن مستقبل صناعة الرقاقات الأمريكية وقدرتها على المنافسة أمام الصين وكوريا الجنوبية وتايوان.
إنتل… من الريادة إلى أزمة ممتدة
على مدى عقود، مثّلت إنتل القلب النابض لصناعة المعالجات الدقيقة، وبنت سمعتها العالمية على تطوير تقنيات متقدمة مكّنتها من السيطرة على سوق الحواسيب الشخصية والخوادم. لكن منذ منتصف العقد الماضي، بدأت الشركة تفقد تفوقها لصالح منافسين مثل AMD وTSMC نتيجة تعثرها في الانتقال إلى تقنيات تصنيع 7 نانومتر وما دون، وتأخرها في تسليم المنتجات للأسواق.
الأزمة المالية تفاقمت خلال العامين الماضيين مع تراجع الطلب على الحواسيب الشخصية، وانخفاض أرباح قطاع الخوادم، ما أجبر الشركة على تسريح آلاف الموظفين، وإلغاء مشروعات خارجية، وتأجيل مصنع أوهايو الاستراتيجي الذي كان من المفترض تمويله جزئيًا عبر قانون الرقاقات والعلوم لدعم الصناعات المحلية.
حتى أن الرئيس التنفيذي الأسبق للشركة كريغ باريت دعا العام الماضي إلى خطة إنقاذ تمولها شركات العملاء بدلًا من الحكومة، في إشارة إلى عمق الأزمة التي تهدد الشركة.
لقاء البيت الأبيض وموقف ترامب المتقلب
التحرك الحكومي المحتمل جاء بعد لقاء جمع الرئيس التنفيذي الحالي ليب بو تان بالرئيس الأمريكي دونالد ترامب في البيت الأبيض. ورغم أن ترامب كان قد انتقد تان سابقًا ودعا إلى استقالته بسبب علاقاته الاستثمارية مع شركات صينية، إلا أنه عاد ليمتدحه مؤخرًا على منصة Truth Social، واصفًا مسيرته المهنية بأنها “قصة مذهلة”.
غياب الصناديق السيادية الأمريكية ونموذج التدخل الدفاعي
بعكس دول مثل السعودية والإمارات التي تمتلك صناديق سيادية قوية لدعم شركاتها الاستراتيجية، لا تملك الولايات المتحدة آلية مماثلة. وقد اقترح ترامب في فبراير الماضي تأسيس صندوق وطني لدعم القطاعات الحيوية.
ويستشهد تقرير بلومبرغ بتجربة وزارة الدفاع الأمريكية عام 2020 عندما استحوذت على حصة مفضلة بقيمة 400 مليون دولار في شركة MP Materials لإنتاج المعادن النادرة، لتصبح البنتاغون أكبر مساهم فيها، وهو ما مثّل سابقة لتدخل مباشر في قطاع خاص استراتيجي.
البعد الجيوسياسي والاقتصادي
أي استثمار حكومي مباشر في إنتل لن يكون مجرد خطوة لإنقاذ شركة متعثرة ماليًا، بل يحمل دلالات أوسع، منها تعزيز الأمن القومي الأمريكي عبر تأمين إمدادات أشباه الموصلات وتقليل الاعتماد على آسيا، وكذلك في كبح النفوذ الصيني في سوق الرقاقات، حيث تستثمر بكين بقوة في تطوير صناعة محلية منافسة.
لكن هذه الخطوة تثير أيضًا تساؤلات حول حدود التدخل الحكومي: هل يمكن أن يتحول إلى سياسة دائمة لدعم الشركات المتعثرة؟ وهل ينسجم ذلك مع النموذج الأمريكي التقليدي القائم على المنافسة المفتوحة؟
ما بعد الأزمة… فرصة أم مقامرة؟
يرى محللون أن الاستثمار المباشر في إنتل قد يفتح صفحة جديدة في السياسة الصناعية الأمريكية، على غرار ما حدث في فقاعة الإنترنت حين أدى الإفراط في الاستثمار إلى تأسيس شركات غيرت شكل الاقتصاد العالمي لاحقًا.
ومع ذلك، يحذر خبراء من أن التدخل الحكومي قد لا يحل المشكلات الجوهرية لإنتل، المتمثلة في ضعف الابتكار وبطء تنفيذ استراتيجيات التحول التقني.
وفي حال نجحت المفاوضات الحالية، ستكون هذه الخطوة بمثابة إعلان رسمي عن ولادة سياسة صناعية أمريكية جديدة، توازن بين السوق الحرة وحماية الشركات الاستراتيجية التي تعتبرها واشنطن عصب قوتها التكنولوجية والاقتصادية.