
كتب: مصطفى سيف
أثار مقطع الفيديو الترويجي للمتحف المصري الكبير، والذي أنشأه الشاب المصري عبد الرحمن خالد، موجة من الانتقادات لوزارة السياحة والآثار من جانب، والتعاطف مع الشاب والمطالبة بضرورة دعم هذا النوع من المحتوى من جانب آخر.
الفيديو الذي أثار الجدل الواسع تم إنشاؤه بالذكاء الاصطناعي، الأمر الذي سلّط الضوء على تساؤلات بشأن حقوق الملكية الفكرية، وما هي الضوابط والتشريعات الحاكمة لهذا النوع من المحتوى.
وفي الوقت ذاته، يطرح تساؤلاً جوهريًا: هل ما أقدم عليه الشاب المصري يُعد انتهاكًا لحقوق الملكية الفكرية أم إبداعًا يجب تبنّيه؟ خاصة وأن المشهد المتعلق بالذكاء الاصطناعي – ليس في مصر فقط بل في العالم أجمع – يتسم بتشابك معقد بين القوانين والحاجة إلى تنظيمات جديدة.
قانون الذكاء الاصطناعي
يُشار إلى أنَّه حتى الآن لا يوجد قانون للذكاء الاصطناعي في مصر، بينما توجد الاستراتيجية المصرية للذكاء الاصطناعي، والتي ترتكز على أربعة محاور: البيانات بما يضمن إمكانية الوصول إليها ومشاركتها، البنية التحتية بما يشمل بناء بنية قوية وفعالة للذكاء الاصطناعي، الحوكمة بما يضمن الاستخدام الأخلاقي لأدوات الذكاء الاصطناعي، وأخيرًا المهارات من خلال رفع الكفاءات الوطنية الشابة بهدف الاستغلال الأمثل للقدرات المؤهلة والمدربة.
ولا يزال التشريع المصري في حاجة إلى تنظيم الذكاء الاصطناعي بشكل كامل؛ إذ توجد العديد من الجوانب التي لم تُنظَّم بعد بشكل مباشر أو غير مباشر، ويتضح ذلك من خلال قانون حماية الملكية الفكرية رقم 82 لسنة 2002؛ الذي يتناول بشكل صريح الأعمال التي ينتجها الذكاء الاصطناعي.
ووفقًا لرصد المجلس الوطني للذكاء الاصطناعي المصري؛ يوجد حول العالم 3465 شركة متخصصة في مجال الذكاء الاصطناعي، وقد وفّر القطاع 58 مليون فرصة عمل بنهاية 2022، ومن المتوقع أن يضيف نحو 15 تريليون دولار إلى الاقتصاد العالمي بحلول 2030.
مصر في المرتبة العاشر بمؤشر الابتكار العالمي
كما تحتل مصر المرتبة العاشرة في ترتيب مؤشر الابتكار العالمي والتقدم التكنولوجي لعام 2025، متقدمة 12 مركزًا مقارنة بعام 2022 حين كانت في المركز الـ22.
ويشير تقرير صادر عن مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار التابع لمجلس الوزراء إلى أنَّ التشريعات الحالية تحكم بعض جوانب الذكاء الاصطناعي ولكن بشكل غير مباشر، حيث يحاول النظام القانوني المصري التكيّف مع التعقيدات التي تفرضها هذه التكنولوجيا.
فعلى سبيل المثال، يضع قانون حماية البيانات الشخصية رقم 151 لسنة 2020 معايير لخصوصية البيانات وأمنها، وهو ما يؤثر بشكل مباشر على أنظمة الذكاء الاصطناعي التي تعتمد على كميات هائلة من البيانات.
مصر لا تحتاج قانون للذكاء الاصطناعي
ويذهب الدكتور محمد حجازي استشاري تشريعات التحول الرقمي والرئيس السابق للجنة التشريعات والقوانين بوزارة الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات، إلى ما هو أبعد، مؤكداً أنّ مصر لا تحتاج في الوقت الراهن إلى قانون خاص بالذكاء الاصطناعي، وذلك لغياب المتطلبات التنظيمية والتكنولوجية وآليات التنفيذ، فضلًا عن غياب وضوح فلسفة وهدف القانون، محذرًا من سنّ تشريع لمجرد أن تكون مصر أول دولة عربية تنظّم الذكاء الاصطناعي.
وأوضح حجازي أنّه لا بد من توافر عناصر منظمة بشكل دقيق قبل الحديث عن تشريع جديد، مشيرًا إلى أنّ المخاوف المثارة حول الذكاء الاصطناعي يمكن أن تعالجها التشريعات القائمة بالفعل.
وأضاف أن التعامل مع الذكاء الاصطناعي يتطلب أساسًا تنظيم البيانات والمعلومات وهو ما لا يتوافر حتى الآن؛ فحتى قانون حماية البيانات الشخصية الصادر عام 2020 لم يدخل حيّز التنفيذ بعد، إذ لم تُنشأ الجهة المنظمة له، كما لم تصدر لائحته التنفيذية منذ خمس سنوات، فضلًا عن غياب تنظيم شامل للمعلومات وتصنيفها ومستويات إتاحتها.
وأكد أنّ المحتوى المزيّف أو المضلل مُجرَّم بالفعل في القوانين المصرية، لكن ما ينقص هو توافر الإمكانيات الفنية لدى جهات إنفاذ القانون لتمييز المحتوى الأصلي عن المزيف، وخاصة “التزييف العميق”.
الذكاء الاصطناعي ليس شرًا
وفي ما يتعلق بالجدل الدائر حول الذكاء الاصطناعي، شدد حجازي على رفضه تصويره كـ”شر مستطير”، موضحًا أنّه مجرد أداة يمكن توظيفها للخير أو الشر؛ وبالتالي المطلوب هو تجريم الأفعال غير المشروعة الناتجة عن استخدامه، لا تجريم التقنية ذاتها.
وعلى صعيد التشريعات، طرح حجازي تساؤلاً: “بينما ننظر إلى حجم الاستثمارات التي تضخها السعودية والإمارات في الذكاء الاصطناعي، هل سبق أن طُرح هناك حديث عن قانون خاص به؟”.
وأجاب بأن التركيز ينصب على التطبيق العملي والمزايا الاقتصادية، وليس على إصدار القوانين، وهو ما ينطبق أيضًا على الاتحاد الأوروبي، الذي واجه بعد إقرار قانون الذكاء الاصطناعي انتقادات من بعض الدول الأعضاء التي اعتبرت أنّها غير قادرة على تطبيقه بسبب العقبات المرتبطة به.
ويرى حجازي أنّ التعامل مع قضية الذكاء الاصطناعي يجب أن يكون من منظور تنظيمي لا تجريمي، لافتًا إلى أنّ أي قانون لا بد أن يستند إلى دراسة الظاهرة وتحليل نتائجها وإيجابياتها وسلبياتها، ثم تنظيم الجوانب السلبية لتقليل آثارها.
وحذر من أنّ إصدار قانون في توقيت مبكر قد يشكّل عوائق أمام الابتكار والإبداع، مشددًا على أنّ التمهّل ودراسة الظاهرة هو السبيل الأمثل، وإلا فقد نجد أنفسنا مستقبلًا أمام نتائج كارثية، بعدما نكتشف أنّ القانون ساهم – دون قصد – في إقصاء الكفاءات البشرية والحد من الاستفادة من تلك التقنيات.
وفيما يتعلق بفيديو المتحف، أكد حجازي أنّه كان واضحًا منذ اللحظة الأولى أنّه مولّد بالذكاء الاصطناعي، وبالتالي لا يُعد اعتداءً على حقوق الملكية الفكرية؛ لكنه أشار إلى نقطة قانونية تتعلق بظهور صور بعض اللاعبين والممثلين، وهي مسألة ترتبط أكثر بقوانين الخصوصية وحماية البيانات، إذ يفترض الحصول على موافقة أصحاب الصور قبل استخدامها، ومع ذلك فهي لا تندرج ضمن الملكية الفكرية، معتبرًا أنّ “ردّ الفعل على الفيديو كان مبالغًا فيه، وأنّ معالجته لم يكن يجب أن تتم بتلك الحدة”.
واختتم حجازي بالتأكيد على مجموعة من النصائح الأساسية عند العمل في مجال الذكاء الاصطناعي: أولها مراجعة البيانات التي يتم تدريب التطبيقات عليها والتأكد من أنّها صحيحة، دقيقة، ومحدثة، ولا تنطوي على أي انتهاك لحقوق الآخرين، وثانيها، الحرص عند برمجة الخوارزميات على أن تكون محايدة وغير متحيزة، بحيث لا تميل إلى طرف على حساب آخر، سواء في الجانب الاقتصادي أو السياسي أو الاجتماعي.
وفي ضوء الجدل الذي أثاره فيديو المتحف، يرى مختصون أنّ القضية تحمل بُعدين: أولهما أهمية تشجيع الشباب على الإبداع الرقمي، وثانيهما ضرورة التوعية بالضوابط القانونية والأخلاقية الحاكمة لإنتاج المحتوى، خاصة ما يتعلق بحقوق الملكية الفكرية.
فبينما تشير الدلائل إلى وجود نوايا حسنة واجتهاد فردي من الشاب المصري، إلا أن الواقعة تكشف عن فجوة في الوعي الرقمي وغياب التثقيف الكافي باستخدام أدوات الذكاء الاصطناعي، وهو ما يتطلب العمل على تمكين الشباب رقميًا وتعزيز ثقافتهم القانونية والأخلاقية، خصوصًا فيما يتعلق بـ”الميثاق الأخلاقي لاستخدام الذكاء الاصطناعي”.
كما سلّط تقرير مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار على ما يجب تنظيمه في القانون المصري، خاصة وأنَّ مجلس النواب انتهى تقريبًا من نحو 70% من ملامح مشروع القانون، وفقًا للنائب أحمد بدوي رئيس لجنة الاتصالات.
وشدد التقرير على ضرورة وجود “تعريفات واضحة ودقيقة” عبر وضع مجموعة موحدة من المصطلحات الأساسية، بما يضمن فهم مكونات الذكاء الاصطناعي وتصنيفه إلى عدة أنواع وفقًا لمعايير مختلفة: طبيعة التعلّم، النموذج أو الأسلوب التقني، والقدرات.
الحارثي: ضرورة تطوير أدواء ذكاء اصطناعي محلية
من جانبه، يؤكد محمد الحارثي خبير أمن المعلومات أن العالم يواجه تحديات متزايدة مع الانتشار المتسارع لأدوات الذكاء الاصطناعي، خاصة في ما يتعلق بالأمن الرقمي وحقوق الملكية الفكرية.
وحذّر في تصريحات خاصّة لمنصة “تكنولدج” من استغلال هذه التقنيات في الابتزاز الإلكتروني، حيث أصبح بإمكان أي مستخدم توليد صور أو فيديوهات زائفة تُستخدم في التهديد والابتزاز، مما يعرض الأفراد لمخاطر نفسية واجتماعية جسيمة.
وشدد على ضرورة تطوير أدوات ذكاء اصطناعي محلية للكشف عن المحتوى المزيّف، والاعتماد على حلول رقمية تُصمّم وفق ضوابط وطنية ومواثيق أخلاقية تضمن الاستخدام الآمن والمسؤول للتكنولوجيا.
كما أشار إلى أهمية التوثيق الرقمي للممتلكات الفكرية كأحد الحلول التنظيمية لحماية الإبداع وضمان عدم التعدي على حقوق الأفراد أو المؤسسات.