
كلما أطل المستخدمون على شاشات هواتفهم في العام الماضي، واجهوا موجة جديدة من الظواهر الاستهلاكية الغريبة التي بدت، في كثير من الأحيان، بلا معنى أو سياق واضح، وفقًا لتقرير على وكالة “بلومبرج”.
وبين دمى ذات ابتسامات شيطانية، وألواح شوكولاتة محشوة بالفستق، ومنتجات أخرى تحمل أسماء عشوائية، برز سؤال مشترك بين الشباب والكبار على حد سواء: ما الذي يحدث؟
ما كان يبدو في البداية كدليل على فجوة الجيل، تحوّل إلى ظاهرة شاملة يتشاركها الجميع: الحيرة الجماعية من طفرات رقمية لا يعرف أحد كيف بدأت، ولا لماذا انتشرت بهذه السرعة؟
دمى “لابوبو”.. لا قصة فقط خوارزميات
وتعد دمى “لابوبو” من أبرز الأمثلة على هذه الظاهرة، وهي مجموعة من الشخصيات الصغيرة ذات الملامح الغريبة، تنتجها شركة الألعاب الصينية “بوب مارت”، وتُباع في صناديق عشوائية لا يعرف المشتري محتواها حتى يفتحها.
ورغم أن هذه الدمى لم تُسوّق في الولايات المتحدة أو تحظَ بخلفية ثقافية معروفة، فقد تحوّلت إلى منتج مطلوب بشدة، مدفوعة بصورة أو اثنتين على حسابات “إنستجرام” تعود إلى نجمة البوب الكوري ليزا من فرقة “بلاك بينك”.
وبدأ الهوس بها يتصاعد، حتى أصبحت النسخ الأصلية نادرة، مما فتح الباب أمام منتجات مقلدة تُعرف باسم “لافوفوس”، حققت بدورها شعبية لا تقل عن الأصلية.
ونتيجة لهذا الجنون الاستهلاكي، قفزت مبيعات شركة “بوب مارت” بمعدل ثلاثي الأضعاف، وارتفعت أرباحها بنسبة 350% في النصف الأول من 2024.
شوكولاتة دبي.. لا علاقة للمنتجة بالانتشار
على الجهة الأخرى، ظهرت “شوكولاتة دبي”، وهي ألواح فاخرة محشوة بالفستق صُنعت أساسًا على يد الإماراتية سارة حمودة.
وبدأت القصة بفيديو بسيط انتشر في نهاية 2023، ظهرت فيه شابة تتناول هذا المنتج بطريقة جذابة، وسرعان ما تحوّلت هذه اللحظة العابرة إلى ظاهرة استهلاكية اكتسحت “تيك توك” ومنصات التواصل.
لكن الغريب أن انتشار “شوكولاتة دبي” لم يكن من خلال الشركة الأصلية، بل عبر نسخ مقلدة ومستوردة أو محلية، تتنوع في الجودة ولا ترتبط غالبًا بسارة حمودة.
ورغم ذلك، صار الاسم رمزًا لنوع من الحلوى الفاخرة، ما ساهم أيضًا في رفع مبيعات الفستق وأسعاره حول العالم.
اليوم، يمكن العثور على “لابوبو” مصنوع من الشوكولاتة، وعلى لوح “شوكولاتة دبي” بشكل دمية، في مفارقة تلخّص تداخل عالم المنتجات والعلامات التجارية في الفضاء الرقمي.
طفرات دون تفسير
وبعكس الظواهر الاستهلاكية القديمة التي كانت ترتبط غالبًا بحاجات أو رغبات واضحة — مثل دمى “كابيدج باتش” في الثمانينيات التي وُعد الأطفال بالحصول على دمى تشبههم، أو “بيني بيبي” التي ازدهرت مع صعود “إي باي” في التسعينيات — فإن ما يحدث اليوم يصعب تفسيره.
ولم يعد الانتشار يتطلب قصة جذابة أو احتياجًا واضحًا، بل يكفي أن يكون المنتج غريبًا أو لافتًا أو شهيًا في صورته، وأن يمر بلحظة خوارزمية مواتية، حتى يتحوّل إلى طفرة استهلاكية مفاجئة.
هذا هو جوهر ما يُعرف اليوم بثقافة “الدوبامين”، وهو مصطلح صاغه الكاتب تيد غيويا لوصف نمط الحياة الرقمي الجديد، حيث لا تُمثل المنتجات أي قيمة ثقافية أو معرفية أو حتى ترفيهية حقيقية، بل يتم دفعها إلى الواجهة فقط لأن ظهورها يمنح دفعة مؤقتة من التحفيز العصبي للمستخدمين.
عندما يصبح الواقع افتراضيًا
وتخترق هذه الطفرات حياتنا بسرعة، بحسب “بلومبرج” مستفيدة من خوارزميات ترصد كل لحظة تفاعل، حتى وإن كانت مجرد توقف لثانيتين أثناء التمرير، وبهذه الآلية، تكتسب المنتجات زخمًا لا يمكن إيقافه، وتتحوّل فجأة إلى ضرورة استهلاكية دون أن يكون لها جذور واقعية حقيقية.
ورغم أن هذه الظواهر تبدو في ظاهرها سخيفة أو عابرة، فإنها تحمل دلالات ثقافية عميقة؛ فحتى في عالم يزداد افتراضية، يبحث الناس — سواء عن وعي أو بدونه — عن شيء ملموس يتفاعلون معه.
الدمية الغريبة، وقطعة الحلوى النادرة، أو كوب ماء بتصميم جديد؛ كلها تحوّلت إلى رموز لواقع نحاول استعادته من خلال الشاشات.
وقد لا يكون “لابوبو” سوى لعبة، و”شوكولاتة دبي” مجرد حلوى، لكن الظاهرة التي أنتجتهما تكشف عن تغيّر عميق في طريقة التفاعل مع العالم من حولنا.
وفي هذا السياق، قد تبدو الطفرات الجديدة مثل إشارات ضوئية في عتمة المحتوى الزائد: إنها تخبرنا بأننا ما زلنا نريد التفاعل، والدهشة، وربما شيئًا بسيطًا من الواقع — ولو كان على شكل دمية صغيرة تبتسم بطريقة مريبة.