
تثير شركة “تسلا” جدلًا واسعًا بين المحللين والمستثمرين، حول ما إذا كانت قيمتها السوقية الحالية – التي تقترب من تريليون دولار – تعكس حقًا واقعها كشركة سيارات، أم أنها نتاج توقعات متفائلة بخصوص مستقبلها في مجالات القيادة الذاتية والروبوتات.
ويعود هذا الجدل إلى الكيفية التي يُعرّف بها المستثمرون “تسلا”: هل هي صانع سيارات كهربائية ناجح، أم شركة تكنولوجية تراهن على إحداث ثورة في النقل والذكاء الاصطناعي؟ ويُجمع العديد من المحللين على أن معظم قيمة “تسلا” الحالية ناتجة عن طموحات مستقبلية، لا عن أدائها المالي الحالي.
وأظهرت بيانات “بلومبرج” في يونيو الماضي أن تقديرات المحللين لسعر سهم “تسلا” خلال 12 شهرًا تتفاوت بشكل كبير بين 115 و500 دولار، ما يعني أن قيمتها السوقية المحتملة قد تتراوح بين 370 مليار و1.6 تريليون دولار.
ومن العوامل الحاسمة في هذا التقييم شخصية الرئيس التنفيذي إيلون ماسك، الذي يتمتع بتأثير استثنائي على ثقة المستثمرين؛ إذ يرى البعض أن “تسلا” تتغذى على وعود ماسك، لاسيما في ما يتعلق بالتحول نحو القيادة الذاتية والأتمتة، كما حدث مؤخرًا عند إطلاق خدمة “الروبوتاكسي” في مدينة أوستن الأمريكية، وهو ما دفع السهم للارتفاع بأكثر من 8% رغم أن الإطلاق كان محدودًا.
لكن طموحات “تسلا” تواجه تحديات متزايدة، منها تراجع الحصة السوقية في أوروبا والولايات المتحدة، وتباطؤ الطلب، واحتدام المنافسة من شركات مثل الصينية “بي واي دي”، التي تفوقت على “تسلا” في المبيعات داخل السوق الأوروبية.
ومن الناحية التشغيلية، تبقى “تسلا” شركة تصنيع سيارات بنسبة كبيرة، إذ تشكل السيارات الكهربائية نحو 80% من إيراداتها، فيما تتوزع النسبة المتبقية على خدمات الطاقة الشمسية، ومحطات الشحن، وأنظمة تخزين الطاقة.
غير أن “تسلا” تجد صعوبة في الحفاظ على تفوقها؛ فقد باعت أقل من 1.8 مليون سيارة العام الماضي، وهو عدد أقل بكثير من مبيعات “جنرال موتورز” و”فورد”.
ويتوقع أن تنخفض مبيعاتها هذا العام إلى 1.7 مليون، في ظل تباطؤ السوق وتحديث خطوط الإنتاج.
رغم ذلك، لا تزال القيمة السوقية لـ”تسلا” تفوق بمراحل شركات السيارات التقليدية، وهو ما يعكس مضاعف ربح مرتفع جدًا لسهمها يبلغ نحو 138، مقارنة بـ5 إلى 9 فقط لدى منافسيها.
ويرى بعض المحللين، مثل كولين لانغان من “ويلز فارغو”، أن القيمة العادلة لسهم “تسلا” لا تتجاوز 120 دولارًا، بناءً على نشاطها الأساسي في السيارات والطاقة.
وفي المقابل، يقدّر آدم جوناس من “مورجان ستانلي” السعر المستهدف بـ410 دولارات، انطلاقًا من رهانه على إيرادات مستقبلية من القيادة الذاتية وخدمات النقل الذكي.
ورغم أن مشاريع مثل الروبوت “أوبتيموس” والقيادة الذاتية الكاملة لا تولد إيرادات فعلية حتى الآن، فإن عددًا من المحللين يقيّمها بمبالغ ضخمة، تصل أحيانًا إلى مئات الدولارات للسهم الواحد.
ويرى نيكولاس كولاس من “داتا تريك ريسيرتش” أن نحو 95% من قيمة السهم الحالية تستند إلى طموحات مستقبلية.
أمَّا على صعيد التكنولوجيا، فإن “تسلا” تجد نفسها في منافسة مع شركات مثل “وايمو”، التابعة لـ”ألفابت”، التي تشغل أسطولًا كبيرًا من مركبات الروبوتاكسي في مدن أمريكية كبرى. ومع ذلك، تختلف نماذج العمل، فـ”وايمو” تركز على البرمجيات ولا تصنّع سياراتها.
ومن جهتهم، يواجه البائعون صعوبة في المراهنة ضد ماسك، الذي كثيرًا ما فاجأ السوق بتحقيق إنجازات بدت مستحيلة، مثل الهبوط العمودي للصواريخ؛ لكن حضوره السياسي المثير للجدل وتقلّباته الشخصية تسببت أحيانًا في اضطرابات حادة في سعر السهم.
وتبقى “تسلا” رهينة التوازن بين الواقع والطموح، بين ما تحققه اليوم وما تعد به الغد، ويبدو أن مصير سهمها – وبالتالي مصيرها كشركة – سيبقى مرتبطًا بشخصية ماسك، وبمدى نجاحه في تحويل الوعود إلى إنجازات ملموسة.