
«PMI»: نستخدم الذكاء الاصطناعي للوقوف على التطورات البحثية حول المنتجات الجديدة
على هامش مؤتمر Technovation
رسالة دبي: نيرة عيد
نطمح أن تدخل السجائر التقليدية إلى المتاحف قريبًا
ذات يوم لم تعد شركات التبغ تتحدث عن مزيد من المبيعات بوصفها الغاية النهائية، ولم يعد النمو مرتبطًا بعدد السجائر المباعة، بل بدأ خطاب مختلف يتسلل إلى هذه الصناعة: “نحن نعمل من أجل عالم خالٍ من الدخان”
جملة كهذه حين تأتي من واحدة من أكبر شركات التبغ في العالم لا يمكن استقبالها ببساطة. كثيرون ظنوها مجرد محاولة تجميل لصورة تجارية أو مجرد دعاية، لكن الزمن كشف أن ما يحدث أعمق بكثير من محاولة تسويقية، حيث بدأ التبغ، ولأول مرة منذ عقود، يفقد شكله التقليدي لصالح تكنولوجيا جديدة تُعيد تعريف العلاقة بين المدخّن والنيكوتين.
في المختبرات المغلقة التي لا يعرف الجمهور عنها شيئًا، يعمل أكثر من 1400 باحث ومهندس ليس على تطوير “سيجارة جديدة”، بل على تفكيك فكرة التدخين نفسها وإعادة تركيبها في شكل آخر، لم يعد الهدف هو بيع سيجارة تشتعل وتحترق، بل بناء نظام استهلاك بديل يحاكي العادة ويحتوي على النيكوتين، لكنه يتجنب أصل المشكلة: الاحتراق وما ينتجه من آلاف المركبات السامة، هنا بالتحديد يمكن القول إن الصناعة تحوّلت من تجارة منتج تقليدي إلى صناعة تكنولوجيا مرتبطة بالسلوك البشري، كانت هذه هي الرسائل الأساسية التي ركز عليها مؤتمر Technovation الخاص بشركة فيليب موريس والتي سيطرت لعقود على صناعة التبغ باعتبارها صاحب الحصة السوقية الأكبر لسوق التدخين حول العالم.
ناقش المؤتمر قيادات الشركة والمتخصصين وصناع القرار بل وصناع الرأي في الطروحات الجديدة التي قد تطرأ على طبيعة العلاقة بين المدخن البالغ وبين سبل استهلاك التدخين، حيث استضاف المؤتمر عدد من المؤثرين، بالإضافة إلى الدكتور دافيد خياط، طبيب الأورام العالمي وأحد رؤساء معهد متخصص بأمراض الأورام في فرنسا، والذي أكد على أن النيكوتين في حد ذاته ليس سببًا مباشرًا في حدوث الإصابة بأمراض الأورام وإنما تمثل نسب الاحتراق في التدخين التقليدي السبب الرئيسي وراء الإصابة بالأمراض الخطيرة الناجمة عن التدخين، مشددًا على أن الكثير من المدخنين يقفون متمسكين بعاداتهم حتى بعد تشخيصهم بأمراض مهلكة مثل السرطانات أو أمراض الصدر الخطيرة.
وعلى الرغم من توجيه المجتمع التجاري والعلمي إلى حد ما بأهمية التحول إلى بدائل خالية من الدخان، مازال هناك حالة كبيرة من المقاومة قبل الانتقال إلى مثل تلك المنتجات، والسؤال الذي يفرض نفسه: هل المنع هنا نابع من العلم… أم من الأيديولوجيا؟ كثير من الجهات التنظيمية تستند إلى سردية قديمة تعتبر النيكوتين نفسه أصل المشكلة، بينما العلم الجديد يقول إن النيكوتين هو عنصر الإدمان، لكنه ليس المسبب الرئيسي للأمراض المرتبطة بالتدخين؛ الخطر يبدأ عندما يحترق التبغ، لا عندما يُسخَّن أو يُستبدل بأكياس نيكوتين أو تركيبات خالية من الدخان.

ووفقًا لـ ياتشيك أولتشاك، الرئيس التنفيذي لشركة فيليب موريس إنترناشونال، فإن الأسواق التي مازالت تواجه مقاومة في الاعتماد على البدائل الجديدة لم تشهد انخفاضًا في معدلات التدخين، بل ظهر فيها سوق موازية من منتجات مهربة مجهولة المصدر لا تخضع لأي مراجعة علمية، وعلى النقيض، فإن الدول التي سمحت بالتجربة الخاضعة للمعايير حققت نتائج لافتة، ففي اليابان، على سبيل المثال، هبط استهلاك السجائر التقليدية بأكثر من النصف خلال أقل من عشر سنوات بعد السماح بدخول البدائل الخالية من الدخان، وفي السويد، حيث انتشرت أكياس النيكوتين على نطاق واسع، انخفض معدل التدخين إلى أقل من خمسة بالمئة من إجمالي عدد السكان، وفي الوقت نفسه تراجعت معدلات الإصابة بسرطان الرئة في ارتباط طردي بين العنصرين (التحول لبدائل الدخان والتراجع في معدلات الإصابة بسرطانات الرئة).
فريد دي وايلد: 1400 مهندس وعالم يدرسون الطرق الأمثل لإستخدام النيكوتين غير الاحتراق

يؤكد فريد دي وايلد، رئيس منطقة جنوب وجنوب شرق آسيا (SSEA)، ورابطة الدول المستقلة (CIS)، والشرق الأوسط وأفريقيا (MEA)في فيليب موريس إنترناشونال، في حواره مع “تكنولدج” إن تقبل المنطقة للمنتجات البديلة الخالية من الدخان يختلف من دولة إلى أخرى حتى داخل الإقليم الواحد، لكن التحدي يبقى واحدًا هو تحويل أكبر عدد ممكن من مدخني السجائر التقليدية إلى البدائل غير المعتمدة على الاحتراق.
وفي مصر، بدأت الأرقام تُظهر نموًا لافتًا في فئة منتجات التبغ المُسخَّن، وفي لبنان اضطرت الشركات إلى إعادة هندسة التسعير بسبب الأزمة الاقتصادية، فتحول السوق نفسه إلى سوق تجريبية لفهم ما إذا كان المستهلك يمكن أن يتخلى عن السيجارة حتى في ظل ضغوط مالية.
كل ذلك يعيدنا إلى السؤال الجوهري: من سيقود هذا التحول؟ الشركات تبدو مستعدة — لغة الخطاب تغيرت، والاستثمار في البدائل تجاوز 99٪ من ميزانيات البحث والتطوير. المستهلك من جهته بدأ يغير سلوكه حين أُتيح له الفهم والتجربة، وإذا كان القرن الماضي هو قرن السيجارة التقليدية، فإن العقد القادم سيحدد شيئًا أهم: من سيُسجَّل في التاريخ باعتباره السوق الذي فتح الباب، ومن سيظل عالقًا عند البوابة؟
ويؤكد وايلد، على أن فيليب موريس خصصت أكثر من 14 مليار دولار على مدى العقد الماضي لتطوير منتجات تبغ بعيدة عن التسخين بداية من منتجات غير عملية ثقيلة الوزن واستمر تطويرها على مدى العقد الكامل للشكل الحالي لمنتجاتها التي تحاول أن توفر نفس الاحتياجات بمعدلات أقل خطورة.
ويشير وايلد إلى أنه في عام 2014 لم تكن فيليب موريس تعاني من أية تأثرات تجارية بل على العكس، كانت واحدة من أعلى الشركات تقييمًا وأكثرها تحقيقًا للربحية، لكن في الوقت نفسه ظل العلماء والأطباء العاملون في مختبرات الشركة يشعرون بواجب تجاه العالم، بأنه يجب أن يتوقف خطر الدخان إلى الأبد لتبدأ رحلة تطوير منتجات خالية من الدخان، وبعد 10 أعوام أصبحت تلك المنتجات تستحوذ على 41% من صافي أرباح الشركة حول العالم.
تحولت الصناعة بدلًا من تجارة “سلعة”، دخلت الصناعة مرحلة جديدة يمكن تسميتها؛ “اقتصاد التكنولوجيا السلوكية” — حيث لا يُباع المنتج فقط، بل تُباع معه آلية تغيير السلوك نفسه.
لم يعد الهدف تزويد المدخّن بما يريد، بل إعادة توجيه رغبته بشكل مختلف. هذه ليست لغة “بيع”، بل لغة “تغيير العادات” — وهذا بالضبط ما جعل الشركات تصطدم بجدار آخر: جدار التنظيم، وجدار المعرفة، وجدار التصورات المسبقة.
في أجزاء واسعة من العالم، خصوصًا في دول الجنوب العالمي، لم يُستقبل هذا التحول بوصفه خطوة علمية أو محاولة لتقليل المخاطر، بل بوصفه محاولة تجميل متأخرة من شركات لا تزال – في نظر كثيرين – السبب الرئيسي في المشكلة. في الهند مثلًا، حيث يُسجَّل واحد من أعلى معدلات استهلاك التبغ في العالم، تم حظر منتجات الخالية من الدخان بالكامل حتى قبل دخولها السوق. لم يمنع الحظر الناس من التدخين، لكنه أغلق الباب أمام أي تجربة بديلة يمكن أن تقلل الخطر. تركيا اتخذت المسار نفسه، وفيتنام سارت في الاتجاه ذاته، ليس بدافع الإدراك العلمي للمخاطر بل لأسباب إدارية وسياسية ومجتمعية متشابكة، تتراوح بين ضعف القنوات المؤسسية للفهم العلمي، وضغط جماعات ضغط ترى في هذه المنتجات “شكلًا جديدًا للخطر” لا امتدادًا مختلفًا للسلوك نفسه.
المفارقة أن هذه الدول، التي حظرت المنتجات البديلة بالكامل، لم تُظهر أي مؤشرات على انخفاض معدلات التدخين، بل إن بعضها شهد توسعًا في سوق غير رسمي لمنتجات مهربة، بلا رقابة ولا بيانات ولا شفافية. هنا يظهر السؤال المؤلم: هل الحظر يحمي الصحة فعلاً، أم يحمي الجمود التشريعي؟
وأشار وايلد : “إذا قلت للمدخّن إن البديل سيئ مثل السيجارة، فلن يجد سببًا للتبديل”، هذه العبارة تختصر المسألة كلها، فالمستهلك حين يُمنع من التجريب، أو حين يُقال له إن كل الخيارات سيئة، فإنه يتمسك بما يعرفه. التغيير السلوكي لا يبدأ من التشريعات، بل من المعرفة والتجربة.
توموكو إيدا، مديرة التواصل العلمي: نطمح إلى أن تصبح السجائر قطعة في المتاحف

مع تصاعد الخطاب حول منتجات التبغ المسخنة فإن السؤال الأقرب للأذهان هل تتحول السجائر إلى قطع في متحف مثل أدوات التدخين التي عرفتها الشعوب البدائية قبل قرون عدة؟
توموكو إيدا ، مديرة التواصل العلمي لمنطقة جنوب وجنوب شرق آسيا (SSEA)، ورابطة الدول المستقلة (CIS)، والشرق الأوسط وأفريقيا(MEA) بشركة فيليب موريس إنترناشونال، ترى أنه على مدار خمسة عشر عاماً، شهد موقف المجتمع العلمي تجاه منتجات التبغ غير المحترق تحولاً جذرياً.
في البداية، خاصةً في اليابان وأسواق آسيا، كان الحضور العلمي شبه غائب بسبب عدم معرفة الأطباء والعلماء بطبيعة هذه المنتجات الجديدة، بل وحتى رفض البعض مجرد مناقشتها، ومع تراكم البيانات العلمية القادمة من أسواق مثل اليابان والسويد، بدأ الخطاب العلمي يتغير، وظهرت مساحة للحوار.
بينما بقي التحدي الأكبر متمثلاً في سوء فهم النيكوتين باعتباره – خطأً – المصدر الرئيسي للضرر، وليس عملية الاحتراق.
مع توسّع استخدام هذه البدائل، انتقل التركيز العلمي من الدراسات السريرية المعملية إلى ما يُعرف بـ الأدلة الواقعية (Real World Evidence)، وهنا لعب الذكاء الاصطناعي دوراً محورياً، فقد أصبح أداة لا غنى عنها لتحليل البيانات الضخمة المتدفقة من الأسواق ومراقبة التأثيرات الفعلية على صحة المستخدمين، كما يتم الاعتماد عليه لاستخلاص المعرفة اليومية من مئات الدراسات العالمية، وتلخيصها للفرق العلمية، ما يسرّع من اتخاذ القرار، غير أن الاعتماد على الذكاء الاصطناعي يظل مشروطاً بالتحقق المستمر من المصادر العلمية الأصلية لتفادي انتشار المعلومات المضلّلة.
رغم هذا التقدم، لا يزال التحدي المجتمعي والإعلامي قائماً؛ فقبول المجتمعات لهذه البدائل يتطلب أولاً الاعتراف بحجم ضرر السجائر التقليدية، ثم إدراك أن هناك بدائل أقل خطورة، وأخيراً تصحيح المفاهيم الخاطئة حول النيكوتين والمنتجات الحديثة.
وتقول إيدا “وعلى ضوء هذا المسار، تتبلور رؤية واضحة لمستقبل التدخين: في بعض الأسواق وصلت الإيرادات من البدائل الخالية من الدخان إلى 80% خلال أقل من عقد واحد، ما يعكس تسارع التحوّل. ومع انتشار التكنولوجيا وارتفاع وعي المستهلكين، يقترب العالم من لحظة يصبح فيها السيجار التقليدي مجرد قطعة في المتاحف، تُذكّر بمرحلة تجاوزتها المجتمعات عبر حلول أكثر وعياً ومسؤولية تجاه الصحة العامة”
الأسواق الحرة.. ساحة تجارب المنتجات الجديدة وبناء قناعات المستخدمين

أحد أهم حلقات هذا التحول إلى مجتمع عالمي خالي من الدخان هو دور السوق الحرة (Duty Free) ليس بوصفه مجرد منفذ تجاري للمسافرين، بل كمختبر اجتماعي واقتصادي عالمي.
في هذه المنطقة العابرة، عند بوابة السفر بين وطن وآخر، تُعرض المنتجات التي يجربها المدخنون البالغون بدافع الفضول.
تقول بيستي إيرمانر نائب رئيس الشركة لمبيعات الأسواق الحرة في شركة فيليب موريس إنترناشونال، إن تلك الأسواق بمنافذها المختلفة أصبحت بمثابة نافذة استراتيجية تراقب من خلالها الشركات سلوك المستهلك الحقيقي حيث تمثل أجهزة استشعار للسوق لاسيما في أسواق استراتيجية محركة للعالم وتوجهات الاستهلاك العالمية مثل منطقة الشرق الأوسط وعلى رأسها مصر، وأسواق الإمارات، وغيرها من دول المنطقة.
في حالة مصر، تزامن ذلك مع لحظة تحوّل اقتصادية واجتماعية غير مسبوقة، الدولة تفتح مطارات جديدة، السياحة تتوسع، والمنافذ الحرة تعيش ما يشبه مرحلة “تطور هائلة” في الخريطة الإقليمية للتجارة العابرة، هذه ليست مجرد أرقام سياحة، بل إعادة تعريف لمكان مصر في معادلة تجارة البدائل الخالية من الدخان في الشرق الأوسط.
وأكدت على أن كثيرًا من المنتجات الخالية من الدخان التي تظهر اليوم في المتاجر الحرة لم تُطرح في الأسواق المحلية بعد، وإنما تُقدم أولًا في منطقة حرّة، تُقاس ردود الفعل، ثم يُبنى عليها قرار الإطلاق أو التأجيل أو حتى إعادة التصميم، يشبه الأمر، إلى حد بعيد، ما تقوم به شركات التكنولوجيا حين تختبر ميزة جديدة على “مجموعة محدودة من المستخدمين” قبل تعميمها عالميًا.
وتشير إلى أن حجم سوق تجارة السفر والأسواق الحرة في مصر يُقدّر بنحو 130 مليون دولار أمريكي، تستحوذ منتجات التبغ (بمختلف فئاتها) على نحو 30% منها. وتؤكد أن هذه الأسواق يمكن أن تصبح لاعبًا رئيسيًا في أمرين: أولًا، اختبار جاهزية الأسواق لمنتجات بديلة للاحتراق، وثانيًا، قياس تقبّل المستخدمين لأنواع جديدة من البدائل الخالية من الدخان.
تفتح النقاشات دائمًا الحوار أمام صناع القرار المختلفين حول مستقبل العادات الاستهلاكية، وبينما حمل مؤتمر Technovation انطباعات مختلفة من حول العالم، حول الشكل الجديد لعالم التبغ والنيكوتين، فقد أكد على أن الأشكال الجديدة لإستخدام النيكوتين أصبحت حقيقة يتعامل معها العالم من منافذه المختلفة، ففي حين أشار المشاركون إلى أن المؤتمر الأول لبدائل التدخين جمع فقط 5 ممثلين من حول العالم، أصبح حوالي 41 مليون من المدخنين البالغين (المقدر عددهم بـ1.2 مليار نسمة) مستخدمون لمنتجات التبغ الخالية من الدخان.




