مدير عام شركة أفايا فى مصر وليبيا
خاضت مصر تحديات عام 2020 مستندة إلى عمق تجربتها في معالجة الأزمات، وخرجت منها قوية، باقتصاد متماسك، وتجربة استثنائية في استخدام وسائل الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات لتحقيق استدامة الأعمال والمحافظة على مسار النهوض الاقتصادي.
هذه الإشارات الإيجابية التي تسجّلها مصر، انعكست في سياقين متصلين: الأول هو الدراسة الاستطلاعية التي أصدرتها أﭬايا وشملت مصر، وتبيّن فيها مدى قدرة الموارد البشرية المصرية على التأقلم، ومرونتها الفائقة خلال أزمة كالتي سببها وباء كوفيد-19، وتمكنها من المحافظة على أداء اقتصادي قوي، فضلا عن ثبات قطاعات عدة من بينها التعليم والصحة ومختلف القطاعات الانتاجية.
والثاني هو مؤشرات أداء قطاع الاتصالات والمعلوماتية في العام الماضي، والتي كشف عنها مؤخرا وزير الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات الدكتور عمرو طلعت، وأظهرت تطورا نوعيا على مستوى حجم الناتج المحلي للقطاع ومساهمته في الناتج المحلي الإجمالي، وصادراته وعدد العاملين فيه خلال عام 2020 .
من الواضح أن العام المنصرم أثبت بما لا يدع مجالا للشك والتحليل، أن مصر تقف على أرض صلبة ومتينة اقتصاديا وتكنولوجيا.وقد أظهرت دراسة أﭬايا التي شملت 10 آلاف مُستطلع في 11 بلدا حول العالم من ضمنها مصر، أن الموظفين المصريين لم يمتلكوا القدرات التكنولوجية التي تتيح لهم العمل عن بُعد فحسب، بل قال أيضا %61 منهم أنهم على استعداد لدعم السياسات الحكومية للمساعدة على تبنّي نموذج العمل “الهجين” Hybrid الذي يتضمن العمل من المنزل والمكتب وأي مكان آخر.
وأعرب المُستطلعون عن “حبهم” للعمل عن بُعد من أي مكان، وأكد 60 % أن نموذج العمل الهجين سيساهم في “تحقيق سعادتهم”.ليس هذا فحسب، فقد أظهرت نتائج الاستطلاع أيضا تأييدا واسعا لنموذج العمل عن بُعد، وبرزت نسبة من المُستطلعين أكدت على الثقة الممنوحة لهم من جانب إدارات شركاتهم للعمل من أي مكان (58 %).
وقالوا إن الثقة الممنوحة لهم تستند إلى قناعة لدى الإدارة، من أن الموظف يقدم أفضل ما لديه في عمله المهني من المنزل. وتأكيدا على نجاح هذا النموذج في العمل، قال 52 % أنهم يملكون التقنيات التي تمكنهم من العمل من أي مكان.
كل هذا السياق من الإجابات، أتى ليؤكد على تبنّي العمل عن بُعد ودعم هذا المنطق من زوايا مختلفة. كما أعرب المستطلعون عن “حبهم” لنموذج العمل من أي مكان (56 %)، وقالوا إنهم شعروا بـ “السعادة” نتيجة العمل من المنزل (62 %).
وبشكل مواز أظهرت المؤشرات الاقتصادية التي أصدرتها وزارة الاتصالات أن الناتج المحلي لقطاع الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات ارتفع بنسبة 16 % في 2020مقارنة بالعام السابق، ووصل حجمه إلى نحو 107.7 مليار جنيه.
وارتفعت أيضا نسبة مساهمة القطاع في الناتج المحلي الإجمالي إلى 4.4 % العام الماضي، وحققت الصادرات الرقمية أيضا نموا ملحوظا ووصلت إلى 4.1 مليار دولار.
وشهدت الموارد البشرية المتخصصة في القطاع نموا، إذ ارتفع عدد العاملين فيها من 256 ألفا عام 2019إلى 281 ألف عامل عام 2020 ، كما تقدمت مصر في مؤشر “جهوزية الشبكة” Network Readiness العالمي من المركز الـ 92 إلى المركز الـ84.
وعمليا، تتقدم مصر بخطى ثابتة نحو رفع قدرات شبكات الانترنت خلال العام الحالي، إذ أعلنت وزارة الاتصالات مؤخرا أنها بصدد استكمال خطتها لرفع كفاءة شبكة الإنترنت بتكلفة إجمالية تبلغ نحو 5.5 مليار جنيه لهذا العام.
لقد قمنا بتنفيذ دراستنا لتكوين صورة واضحة حول واقع العمل عن بُعد في مصر كما في دول أخرى، وأردنا استقصاء موقف الموظفين والشركات منه، بالإضافة إلى تحديد متطلباته التكنولوجية، وتأثيراته. ويبدو أن الدراسة حسمت بعض الجوانب المتعلقة بالعمل والحياة في مرحلة ما بعد عام 2020، ضمن مجموعة من الأسواق العالمية، ومن بينها السوق المصرية.
ومن الجليّ أن النتائج التي أفضت إليها الدراسة تدلّ على عمق التغيرات التي حصلت على مستوى القوى العاملة في مصر وعلى بيئة الأعمال والمؤسسات الحكومية.
ومن الضروري الانتباه إلى أن الدراسة كشفت أيضا عن مصادر قلق لدى الموظفين، فنحو 52 % أشاروا إلى أنهم يحتاجون إلى مساحات إضافية للعمل.
ومع أنهم أشادوا بحسنات العمل من المنزل، إلا أنهم وكما في البلدان الأخرى التي شملها الاستطلاع، عبّروا عن مصادر قلق ومخاوف، أبرزها: العودة إلى العمل المكتبي بدوام كامل (47 %)، لقاء الآخرين وجها لوجه في العمل (38 %)، العمل من المنزل بشكل دائم (42 %)، خسارة الوظيفة بسبب الأتمتة التكنولوجية (41 %) واستبدالهم بموظفين أصغر في العمر (44 %).
ليس لدي أدنى شك أن التغيرات التي حصلت، ستحتاج إلى عدد كبير من الدراسات، لكن الواضح في نتائج دراستنا أن التغيرات على صعيد نماذج العمل وترسيخ استخدام نموذج العمل عن بُعد بات أمرا واقعا، ويمكنني القول إن العمل عن بُعد أتى ليبقى.
كما أوضحت لنا الدراسة أن أغلبية المُستطلعين تؤيّد اعتماد نموذج العمل عن بُعد، سواء كان من المنزل أو هجينا يدمج العمل من المنزل مع أماكن أخرى إضافة إلى العمل من المكتب. وبغض النظر عن النسب المئوية للمستطلعين، يمكن التأكيد أنه وبالإجماع تتوقع أغلبية الذين شملتهم الدراسة نموذجا مهنيا يتيح لهم حرية أكبر في اختيار مكان العمل.